للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المتعبة من قصر ريفي إلى قصر آخر مثله. وكان هذا الانتقال إلى الاقتصاد النقدي كثير النفقة على الملاك الإقطاعيين. ذلك أن إيجار أرضهم والأموال التي كانوا يحصلون عليها من الزراع نظير الرسوم المفروضة عليهم قد أصبح لها من الثبات في العصور الوسطى ما للعادات المألوفة، ولم يكن في مقدورهم أن يزيدوها بنفس السرعة التي تنخفض بها قيمة النقد؛ ولذلك اضطر كثيرون من الأشراف إلى بيع أرضهم- وباعوها عادة إلى رجال الطبقة الوسطى الناشئة. وحسبنا دليلاً على هذا أن بعض النبلاء قد ماتوا من زمن بعيد أي منذ عام ١٢٥٠ وهو لا يملكون أرضاً، ومنهم من مات فقيراً معدماً (١١٥). وكان من نتيجة هذه الأحوال أن أعتق فليب الجميل ملك فرنسا جميع أرقاء الأراضي الملكية في أوائل القرن الرابع عشر، وأن أمر ابنه لويس العاشر في عام ١٣١٥ بتحرير جميع أرقاء الأرض "بشروط عادلة صالحة" (١٦٦). وأخذ نظام رقيق الأرض يتلاشى شيئاً فشيئاً في عدد من البلاد المختلفة الواقعة غرب نهر الإلب وذلك في أوقات مختلفة من بداية القرن الثاني عشر إلى نهاية القرن السادس عشر، وحلت محلها ملكية الفلاحين لأرضهم، وتقسمت ضياع الإقطاع الكبرى إلى مزارع صغيرة، وحصل الفلاحون في القرن الثالث عشر على درجة من الحرية والرخاء لم يستمتعوا بمثلها مدى ألف عام. وفقدت القرى المحاكم الإقطاعية ما كان لها من سلطان على الفلاحين، وأخذ سكان القرى يختارون حكامهم، ولم يكن هؤلاء يقسمون يمين الولاء لسيد الإقطاع المالك لأرضهم بل للملك نفسه. على أن تحرير رقيق الأرض في أوربا الغربية لم يتم كله قبل عام ١٧٨٩، فقد ظل عدد كبير من سادة الإقطاع يطالبون بحقوقهم القديمة من الوجهة القانونية، ولقد حاولوا في القرن الرابع عشر أن يستعيدوها من الوجهة العملية؛ غير أن الحركة التي تهدف إلى العمل الحر المنتقل لم يكن يستطاع وقفها طالما كانت التجارة والصناعة آخذتين في النماء.