فكانوا بذلك جميعاً خطراً يخشى بأسه. وكانوا ينددون بفساد الحكم، واستبداد الأغنياء بالفقراء، ونفاق القساوسة وشرههم؛ وكان العامة يهتفون لهم حين يسمعون منهم هذه الأقوال. وانتحلوا لأنفسهم حق الوعظ الديني، وأخذوا يغفرون للناس ذنوبهم، ويعتقدون عقود الزواج، وبلغ من أمرهم أن ذبحوا بعض من عارضوهم من القساوسة. ولما واصلوا في زحفهم إلى أورليان ذبحوا فيها عشرات من رجال الدين وطلبة الجامعة، ولكن رجال الشرطة تغلبوا عليهم في تلك المدينة وفي بوردو، فقبض على زعمائهم وأعدموا، ثم صيد البائسون الباقون أحياء كما تصاد الكلاب في هذا الزحف العديم النفع، وشتتوا تشتيتاً أدى بهم إلى ضروب من البؤس مختلفة. وفر بعضهم إلى إنجلترا، وقاموا فيها بفتنة صغرى أثارها الفلاحون قلمت أظفارها هي أيضاً.
وثارت نقابات الحرف في المدن الصناعية الفرنسية فتكرر إضرابها عن العمل وقيامها بثورات مسلحة على احتكار طبقة التجار السياسي والاقتصادي، وتحكمها فيهم. ففي بوفيه هاجم ١٥٠٠ من الغوغاء عمدة المدينة وبعض رجال المصارف وأساءوا معاملتهم (١٢٣٣). وتمرد عمال النسيج في رون على تجر الأقمشة وقتلوا عمدة المدينة حين تدخل في النزاع (١٢٨١)؛ وفي باريس حل الملك فيليب الجميل اتحادات العمال بحجة أنها تدبر الثورة (١٢٩٥، ١٣٠٧)؛ غير أن نقابات الحرف الطائفية استطاعت مع ذلك أن تكسب حق الاشتراك في الجمعيات البلدية وفي الوظائف العامة في مدينة مرسيليا (١٢١٣)، وأفنيون وآرل Arles (١٢٢٥) ، وأمين، ومنبلييه، ونيمز Nimes … وكان أحد رجال الدين ينحاز أحياناً إلى جانب الثائرين، ويمدهم بالعبارات التي تلوكها ألسنتهم. ومع ذلك ما قاله أحد أساقفة القرن الثالث عشر:"كل الغنى مصدره السرقة، وكل غنى لص أو وارث لص"(١٢٣). وقامت فتن من هذا النوع اضطربت بها مدن فلاندرز، فثار النحاسون في دينان Dinant عام ١٢٥٥، والنساجون في تورناي عام ١٢٨١،