الكفاح قبل أن يختتم القرن الثالث عشر؛ واشترك عمال الصناعات في حكم فلورنس إلى حين، غير أن كبار التجار ورجال المشروعات سرعان ما أصبحت لهم السيطرة في مجلس المدينة، ففرضوا على الموظفين نظماً استبدادية متعسفة، أدت في القرن الرابع عشر إلى دخول النزاع في مرحلته الثانية- مرحلة الحروب المتقطعة المتباعدة بين رجال الصناعة الأغنياء وعمال المصانع. وكانت هذه المشاهد- مشاهد النزاع الداخلي- هي التي قام فيها القديس فرانسس ينادي بإنجيل الفقر، ويذكر الأغنياء الأشرار بأن المسيح لم يكن له قط ملكاً خاصاً (١٢٧).
واضمحلت الحكومات المحلية كما اضمحلت النقابات الطائفية في القرن الرابع عشر بسبب نطاق اتساع اقتصاد البلديات وتحوله إلى اقتصاد قومي وأسواق وقفت قواعدهما واحتكارهما حجر عثرة في سبيل تقدم الاختراع، والصناعة، والتجارة. وكان من أسباب اضمحلالها فوق ذلك ما كان فيها من منازعات داخلية أشاعت فيها الفوضى، واستغلال قاس شديد الوطأة للريف المحيط بها، ووطنيتها الضيقة المقصورة على حدود المدينة، وسياستها، وعملتها المضطربة غير المستقرة، وحروبها التافهة الحقيرة بعضها على بعض في فلاندرز وإيطاليا، وعجزها عن أن تنتظم في اتحاد يشمل عدة مدائن ذات حكم ذاتي، كان يمكن أن يبقى بعد أن قوى سلطان الملوك. وليس أدل على ضعف هذه الحكومات المحلية من أن عدداً منها في فرنسا التمس من الملك في عام ١٣٠٠ أن يتولى هو حكمها.
ومع هذا كله فإن الثورة الاقتصادية التي قامت في القرن الثالث عشر هي التي خلقت أوربا الحديثة، فهي التي قضت آخر الأمر على الإقطاع الذي أدى مهمة الحماية الزراعية والتنظيم الزراعي، وأصبح حجر عثرة في سبيل اتساع نطاق المشروعات الاقتصادية. وهي التي حولت ثروة الإقطاع الجامدة إلى موارد سائلة متداولة يستخدمها الاقتصاد العالمي. وهي التي أمدت الأعمال الصناعية والتجارية بالآلات اللازمة لتقدمها، وما نشأ عن هذا التقدم من زيادة كبيرة في سلطان