قديم في اختيار ملوكه، وما كان للفلاحين من حق الاحتفاظ بحريتهم وأرضهم، وقالت المرآة السكسونية في هذا الصدد إن رق الأرض والاستعباد يتعارضان مع الطبيعة البشرية ومع إرادة الله، وأن أصلهما يرجع إلى القوة أو الغش (٢٣)، لكن رق الأرض أخذ مع ذلك ينمو ويزداد.
وكان عهد آل هوهنستاوفن (١١٨٣ - ١٢٥٤) أعظم العهود الألمانية قبل بسمارك. نعم إن عادات الشعب وآدابه كانت لا تزال خشنة غليظة، وكانت قوانينه مضطربة هي والفوضى سواء، وأخلاقه خليطاً من الأخلاق المسيحية والوثنية، ومسيحيته نصف ستار لانتهاب الأراضي واغتصابها من أصحابها. كذلك لم تكن ثروة الشعب أو وسائل نعيمه تضارع ثروة شعب إيطاليا أو فلاندرز إذا وازنا مدينة في ألمانيا بمدينة مثلها في ذينك البلدين الأخيرين. ولكن الفلاحين الألمان كانوا مجدين كثيري النسل، وكان التجار الألمان مغامرين ذوي إقدام، والأشراف أكثر سكان أوربا ثقافة وقوة، والملوك هم الرؤساء الزمنيين للعالم الغربي يحكمون بلاداً تمتد من نهر الرين إلى نهر الفستيولا، ومن نهر الرون إلى جبال البلقان، ومن البحر البلطي إلى الدانوب، ومن بحر الشمال إلى صقلية. ونشأت وترعرعت مائة مدينة ومدينة بفضل حياتها الاقتصادية الناشطة، وكان لكثير منها صكوك ومواثيق تؤيد حكمها الذاتي؛ وأخذت على مر السنين تزداد ثروتها وتزدهر فنونها حتى كانت في عصر النهضة فخر ألمانيا وشاهداً على عظمتها ومجدها، وإنا ليعترينا الآن الأسى والحزن على ما كان لها من جمال زال ولم يبق له وجود.