تزهو على غيرها بسكانها البالغين أربعين ألفاً (٤٩) - أي أربعة أضعاف أية مدينة أخرى في ذلك الوقت، ولكنها أقل كثيراً في ثروتها وجمالها من باريس، أو بروج، أو البندقية، أو ميلان، دع عنك القسطنطينية أو بالرم، أو روما. وكانت بيوتها من الخشب، تعلو طبقتين أو ثلاث طبقات، ذات سقف هرمية، وكثيراً ما كانت الطبقات العليا تبرز عن الطبقات التي تحتها. وكانت قوانين المدن تحرم إلقاء فضلات المطابخ، أو حجر النوم، أو الحمامات من النوافذ، ولكن سكان الطبقات العليا كثيراً ما كانوا يلجئون إلى هذه الوسيلة الهينة للتخلص من فضلاتهم. وكانت مياه المنازل القذرة تتخذ طريقها إلى مياه المطر التي تجري عند حافة الإفريز، وكان إلقاء البراز في هذه المياه الجارية محرماً أما البول فكان إلقاؤه فيه مسموحاً به (٥٠). وكانت المجالس البلدية تبذل جهدها لتحسين وسائل الصحة العامة- فكانت تأمر أهل المدن بتنظيف الشوارع أمام بيوتهم، وتفرض الغرامات على من يهملون منهم أمرها هذا، وتستأجر عمالاً يجمعون الفضلات والأقذار ويحملونها في عربات إلى قوارب الفضلات في نهر التاميز. وكان كثيرون من السكان يربون الخيل، والماشية، والخنازير، والدجاج، ولكن هذا العمل لم يكن كثير الضرر، لأن الأماكن الخالية كانت كثيرة، ولأن كل بيت تقريباً كانت له حديقة. وكانت تقوم في أماكن متفرقة أبنية من الحجارة، مثل كنيسة المعبد Temple Church، ودير وستمنستر، وبرج لندن الذي بناه وليم الفاتح ليحمي عاصمته ويضع فيه المسجونين الممتازين. وكان أهل لندن من ذلك الوقت البعيد يفخرون بمدينتهم، وسرعان ما قال عنهم فرواسار Froissart " إنهم أعظم خطراً من جميع سكان بقية إنجلترا، لأنهم أقوى أهل البلاد مالاً ورجالاً"، ووصفهم الراهب تومس الولسنجهامي Thomas of Walsingham بأنهم "يكادون يكونون أكثر الناس كبرياء، وغطرسة، وشرهاً، وأقلهم استمساكاً بالعادات القديمة وإيماناً بالله"(٥١).