ثم سمل عينيه هو نفسه وأسر جميع سكان المدينة تقريباً وساقهم أمامه إلى بابل (١١٨). وقد خلد أحد شعراء اليهود فيما بعد ذكرى هذه القافلة البائسة في أغنية من أروع أغاني العالم قال:
على أنهار بابل جلسنا وبكينا على ذكرى صهيون
وفي وسط الصفصاف علقنا أعوادنا
لأن من سَبونا طلبوا إلينا أن نغنيهم، والذين عذبونا
أرادوا أن نطربهم، ونادونا هلا أنشدتمونا أحد أناشيد صهيون؟
وهل نستطيع أن ننشد نشيد الله في بلد غريب؟
ولئن نسيتك يا أورشليم فلتنس يميني حذقها
وليلتصق لساني بسقف حلقي إن لم أذكرك يا أورشليم
وإن لم تكوني لدي خيراً من أفراحي (١١٩).
وفي هذه الأزمة كلها ظل إرميا أفصح الأنبياء وأشدهم حقداً على قومه يدافع عن بابل ويعلن في الملأ أنها سوط عذاب في يد الله، ويتهم حكام يهوذا بأنهم بلهاء معاندون وينصحهم بأن يسلموا أمرهم كله إلى نبوخدنصر؛ حتى ليكاد من يقرأ أقواله في تلك الأيام أن يظن أنه من صنائع بابل المأجورين. انظر إلى قول إرميا على لسان ربه:
"إني إن صنعت الأرض والإنسان والحيوان الذي على وجه الأرض بقوتي العظيمة وبذراعي الممدودة وأعطيتها لمن حسن في عيني، والآن قد وقعت كل هذه الأرض ليد نبوخدنصر ملك بابل عبدي … فتخدمه كل الشعوب … ويكون أن الأمة أو المملكة التي لا تخدم نبوخدنصر ملك بابل، والتي لا تجعل عنقها تحت نير ملك بابل أني أعاقب تلك الأمة بالسيف والجوع والوباء- يقول الرب- حتى أفنيها بيده"(١٢٠).
قد يكون هذا الرجل خائناً أو لا يكون، أما من الناحية الأدبية فإن كتاب