الكبرى والكبتول بين الرومان على ذكرى جمهوريتهم القديمة، وكانت جهود تبذل من حين إلى حين لإعادة نظم الحكم الذاتي وأشكاله القديمة. وظل الأشراف القدماء يسمون الشيوخ وإن كان مجلس الشيوخ قد اختفى من الوجود. وكان القناصل ينتخبون أو يعينون، وإن لم يكن بيدهم شيء من السلطان، وكانت بعض مخطوطات قديمة، نسيت أو كادت تنسى، تحفظ للبلاد الشرائع الرومانية. وبعث قيام المدن الحرة في شمالي إيطاليا في أهل روما روحاً جديدة، فأخذوا يطالبون بالعودة إلى الحكم الذاتي المدني لا الديني، واختاروا في عام ١١٤٣ مجلس شيوخ مؤلف من ستة وخمسين عضواً، وظلوا عدة سنين بعد هذا التاريخ يختارون له أعضاء جدداً في كل عام. وكانت أحوال ذلك الوقت تتطلب صوتاً يرتفع بتغييرها، ووجدت هذا الصوت في رجل من أهل بريشيا Brescia يدعى أرنولد Arnold. وتقول الرواية المتواترة إنه درس على أبيلار Abelard في فرنسا ثم عاد إلى بريشيا راهباً. وبلغ من زهده وتقشفه أن وصفه برنار بأنه رجل "لا يأكل ولا يشرب". وكان شديد التمسك بالدين القويم، ولكنه ينكر صحة العشاء الرباني إذا قدمه القساوسة المذنبون. وكان يرى أن مما يجافي القانون الأخلاقي أن يكون للقس أملاك، ويطالب بأن يعود رجال الدين إلى الفقر الذي كان يتصف به الحواريون، وأشار على الكنيسة بأن تنزل للدولة عن جميع أملاكها المادية وسلطانها السياسي. وأدانه إنوسنت الثني في مجلس لاتران عام ١١٣٩ وأمره أن يلزم الصمت، ولكن البابا أو أوجنيوس الثالث Eugenius III عفا عنه على شريطة أن يحج إلى عدد من الكنائس في روما. وكان هذا خطأ كريماً من البابا؛ لأن منظر معالم الجمهورية القديمة ألهب خيال آرنلد، فأهاب بالرومان وهو واقف وسط خرائب المدينة بأن ينبذوا حكم رجال الدين، ويعيدوا الجمهورية الرومانية (١١٤٥). وافتتن الشعب بحماسته فاختار قناصل وتربيونين ليكونوا هم حكامه الحقيقيين، وأقام طائفة من هيئة من الفرسان ليكونوا قادة