وكانت المدارس كثيرة عندهم في القرن الثالث عشر، ولدينا ما يدل على أنهم كانوا يعطون الطلاب الفقراء منحاً تمكنهم من مواصلة الدرس، ولكننا نعرف أنه كان لديهم في القرن الرابع عشر قضاة لا يعرفون القراءة (١٨). وكانوا يقدرون الموسيقى أعظم تقدير، أما الفن فلم يكن قد وصل إلى الدرجة العالية التي بلغها فيما بعد؛ غير أن الثراء كان يأتي إلى البندقية بالفن من بلاد كثيرة، وكان ذوق الأهلين آخذاً في الارتقاء؛ وكانت أسسه توضع في هذه الفترة وبخاصة فن الزجاج، وقد بقي لهم بعض ما كان للرومان الآخرين من حذق فيه.
وليس من حقنا أن نصور البندقية في ذلك العصر بتلك الصورة الجميلة التي وجدها عليها فاجنر Wagner أو نتشه في القرن التاسع عشر. فقد كانت بيوتها مقامة من الخشب، وشوارعها من الأرض العادية؛ وإن كان طريق سان ماركو قد رصف بالآجر في عام ١١٧٢؛ وكان الحمام موجوداً في المدينة منذ عام ١٢٥٦. وبدأ البنادقة يقيمون الجسور على القنوات وكان أصحاب القوارب ينقلون الناس في القناة العظمى. أما القنوات الجانبية الصغرى فالراجح أنها كانت أقل بهجة مما هي عليه الآن؛ ذلك أن النضوج الكامل في كل شيء يتطلب بعض الوقت. غير أن ما في الشوارع والقنوات من عيوب لا يمكن أن يحجب عن العين عظمة مدينة ترتفع جيلاً بعد جيل من مناقع البحر الضحل وضبابه، أو يحول بين الإنسان وبين الدهشة من شعب يدفع هامته من الخراب والعزلة ليغطي سطح البحر بسفنه ويجبي المال ويستورد الجمال من نصف العالم.
وكانت مدينة ترفيزو Treviso وتخومها تقع بين البندقية وجبال الألب، ولن نقول عن هذه المدينة إلا أن أهلها كانوا يجبون الحياة حباً جماً، ويسمونها بلد الحب ويقولون إن المدينة احتفلت في عام ١٢١٤ بعيد