للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كارثة مدلهمة، وكل زلزال مروع، وكل مذنب يظهر في السماء، وكل حادثة غير عادية، كان كل شيء من هذا القبيل يعد نذيراً بنهاية العالم، وحتى إذا ظل العالم باقياً فإن الموتى وأجسامهم ستبعث من فورها (١) بعد وفاتها لتحاسب على ما قدمت من خير وشر.

وكانت تجيش في صدور الناس آمال غامضة بدخول الجنة، ولكنهم كانوا يخافون النهار خوفاً واضحاً صريحاً لا غموض فيه، وكان في الدين المسيحي في العصور الوسطى كثير من الرقة والرأفة، ولكن رجال الدين والوعاظ الكاثوليك، والبروتستنت الأولين، كانوا يشعرون بأن من الواجب عليهم أن يروعوا الناس بأهوال الجحيم (٢). ولم يكن المسيح في هذا العهد هو "عيسى الوديع الرقيق"، بل كان هو المنتقم الجبار لكل ما يرتكبه ويقال إن القديس البشر من آثام. وكان في الكنائس كلها تقريباً رمز من يمثل المسيح في صورة قاض، وكان في الكثير منها صور ليوم الحساب، تمثل ضروب التعذيب التي يلقاها الملعونون تمثيلاً أشد وضوحاً من النعيم الذي يتمتع به السعداء المقربون. مثوديوس استطاع أن يقنع بوريس Boris ملك بلغاريا باعتناق الدين المسيحي بأن رسم له صورة الجحيم على جدار القصر الشيطان مشدوداً إلى مشواة ملتهبة من الحديد بسلاسل حمراء من شدة الحرارة، لا ينقطع له الملكي (٤). وكان كثيرون من المتصوفة يدعون أنهم رأوا في أحلامهم صوراً للنار، وقد وصفوها وصفاً جغرافياً، وصوروا ما فيها من عذاب (٥)، ونقل إلينا الراهب تنديل Tundale من رهبان القرن الثاني عشر تفاصيل لها دقيقة: فقال إن في وسط الجحيم يرى صراخ من فرط


(١) وكالت النظرية المسيحية القائلة بأن حساب الموتى سيؤجل إلى "يوم الحشر" الذي سيفنى فيه العالم، كانت هذه النظرية قد استبدلت بها العقيدة القائلة إن كل إنسان سيحاسب بعد موته مباشرة.
(٢) قارن هذا بقول القائد وليم بوث Wiliam Booth (١٨٢٩ - ١٩١٢) عن أساليب وعاط جيش النجاة: "لاشيء يؤثر في قلوب الناس كما تؤثر فيه الأشياء الرهيبة المروعة. فهم لا يتأثرون إلا إذا تصاعد أمام أعينهم لهيب الجحيم".