العنف هذا المبلغ كله، فيقولون مثلاً إن نار الجحيم لابد أن تكلس الروح والجسم حتى يصبحا عديمي الإحساس بها ويصير "من اعتاد الجحيم مستريحاً فيها راحته في أي مكان سواها"(٤٠). وتبدو في نشيد أوكاسين ونيقولت Gueassin et Nieolette (حوالي عام ١٢٣٠) الفكاهة القديمة القائلة بأن الإنسان يلقي في الجحيم صحاباً أظرف ممن يلقاهم في الجنة (٤١). ويشكو القسيسون من أن معظم الناس يؤجلون التفكير في النار إلى آخر لحظة في حياتهم لوثوقهم من أنهم مهما تكن آثامهم فإن "ثلاث كلمات" (ego-te absolvo) " تكفي لنجاتي"(٤٢).
ويبدو أنه كان في القرى وقتئذ كما فيها الآن من لا يؤمنون بالله، ولكن الكافرين القرويين لا يتركون وراءهم ذكريات تحدث عنهم، يضاف إلى هذا أن معظم ما وصل إلينا من أدب العصور الوسطى قد كتبه رجال الدين أو أن رجال الدين قد أخفوا الجزء الأكبر منه ولم يبرزوا لنا إلا ما وقع عليه اختيارهم. وسنجد فيما بعد "علماء جوالين"يقولون شعراً يبدو فيه عدم الاحتشام، ولصوصاً غلاظاً ينطقون بأشد الأقوال تجديفاً، وأناساً ينامون ويغطون (٤٣)، بل ويرقصون (٤٤) ويفجرون (٤٥) في الكنائس، كما نجد من يرتكبون "العهر، والنهم، والقتل، والسرقة في يوم الأحد"(كما يقول أحد الرهبان)"أكثر ممن يرتكبون هذه الذنوب في جميع أيام الأسبوع الذي قبله"(٤٦). وفي وسعنا أن نذكر في هذه الصفحة ما لا يحصى من الأمثلة نجمعها من مائة بلد وبلد، ومن ألف عام وعام؛ وكلها تدل على ما كان في العصور الوسطى من نقص في الإيمان الحق، وتحذرنا من التغالي في الاعتقاد بتقوى الناس في تلك العصور، ولكن العصور الوسطى لا تزال مع هذا تغمر الباحث في جو من العبادات والعقائد الدينية، فلقد كانت كل دولة أوروبية تأخذ المسيحية في كنفها وتحت حمايتها، وترغم الناس بقوة القانون على الخضوع للكنيسة، وكان كل ملك، إلا القليل النادر منهم، يثقل