للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجاء إلى دير القديس فكتور الشهير القائم في خارج باريس حوالي عام ١١٣٠ شاب من بريطاني بفرنسا، لا تعرف من اسمه أكثر من آدم نزيل دير القديس فكتور. وقضى الشاب ذلك الدير الستين عاماً الباقية من عمره هادئاً راضياً، وتشرب بروح هوجو Hugo ورتشرد الصوفيين الذائعي الصيت، وعبر عن هذه النزعة الصوفية تعبيراً متواضعاً، حلواً، دوياً، ترانيم يقصد بمعظمها أن تتلى بعد مراسم القداس. وبعد مائة عام من ذلك الوقت ألف راهب فرنسسكاني يدعى جكوبون ده تودي Jacopone de Todi (١٢٢٨؟ - ١٣٠٦) أعظم ترنيمة في العصور الوسطى وهي المعروفة باسم "وقفت الأم Sebat mather". وكان جكوبون هذا محامياً ناجحاً في تودي القريبة من بروجيا Perugia، واشتهرت زوجته بصلاحها وجمالها، وماتت هذه الزوجة إثر حادث سقوط طوار عليها في أحد الأعياد، فذهب الحزن بعقل جكوبان، وأخذ يجول على غير هدى في طرق أمبريا Umbria مردداً بأعلى صوته ذنوبه وأحزانه، وطلى نفسه بالقار والريش، وأخذ يمشي على أربع؛ وانضم إلى جماعة الفرنسسكان وأنشأ القصيدة التي تحتوي في إيجاز ما كان في هذا الوقت من تُقى وحنان:

وقفت الأم كسيرة القلب،

تزرف الدمع أمام الصليب

وابنها معلق يحتضر،

وقد نفذ في روحها المثقلة بالأحزان،

وهي تندبه وتتألم من أجله،

سيف الأسى البتار.

ألا ما أشد حزنها

تلك الأم التي أنعم الله عليها بابنها الوحيد،

والتي رماها الزمان بسهامه!