العالم المسيحي، عدا المصابين في عقولهم أو أجسامهم، والمحكوم عليهم في جرائم ارتكبوها، والمطرودين من حظيرة الدين؛ والأرقاء - كان في وسع أي إنسان عدا هؤلاء أن يختار قساً أو بابا. وكان الأغنياء في هذا المجال، كالأغنياء في كل مجال سواه، تتاح لهم فرص أكثر من غيرهم لأن يعدوا أنفسهم لتسلم درجات هذا السلم الديني الكثيرة، غير أن الباب كان مفتوحاً لجميع الناس على السواء، وكانت المواهب العقلية، لا الآباء والجدود، هي التي يعتمد عليها النجاح في أكثر الأحيان. وقد خرج مئات من الأساقفة وعدد كبير من البابوات من بين صفوف الطبقة الفقيرة (١١٧) وكان سريان هذا الدم الجديد من جميع الطبقات في طوائف رجال الدين بمثابة غذاء مستمر لعقولهم، وقد "ظل عصوراً طوالاً الاعتراف العملي الوحيد بمساواة الناس بعضهم بعضاً"(١).
ولقد مر بنا أن حق اختيار البابا قد اقتصر على "الأساقفة الكرادلة" المقيمين في روما، ثم زيد عدد هؤلاء الكرادلة السبعة تدريجاً بمن ضمهم البابوات إليهم من أمم مختلفة، حتى أضحوا كلية مقدسة مؤلفة من سبعين عضواً يمتازون من غيرهم بقلانسهم الحمراء ومآزرهم الأرجوانية، وأضحوا طبقة جديدة في سلم الدرجات الدينية لا يعلو عليهم إلا البابا نفسه.
(١) من كتاب جيمس وستفول طمسن Jamns westfall Thomson " تاريخ العصور الوسطى الاقتصادي والاجتماعي Economic and Social History of the Middle Ages المطبوع بنيويورك سنة ١٩٢٨ ص ٦٠١ أنظر أيضاً قول فلتير: "كانت الكاثوليكية تمتاز على الدوام بأنها تختص بذوي الجدارة ما تختص به الحكومات الأخرى ذوي النسب العريق". مقال في آداب أوروبا وأخلاقها (Esssay on the Manners and Morals of Europe في مجموعة مؤلفاته المطبوعة في نيويورك عام ١٩٢٧ المجلد الثالث عشر ص ٣٠) ويقول هتلر إن هذا هو مصدر السلطة القوية التي لا يصدقها العقل والتي تستقر في هذه المنظمة المعمرة. ذلك أن هذا الحشد الكبير من الرءوساء الدينيين، بفضل السنة التي جرى عليها دائماً دون استثناء سنة سد ما يطرأ على صفوفه من نقص بين أدنى طبقات الأمم، بفضل هذه السنة يحتفظ هذا الحشد بما بينه وبين عالم العاطفة الشعبية من رابطة غريزية، ويضمن لنفسه فوق هذا قدراً من الطاقة والنشاط والقوة سيظل بهذه الصورة موجوداً إلى أبد الدهر في جمهرة الشعب. من كتاب كفاحي Mein Kamp المطبوع في نيويورك سنة ١٩٣٩، ص ٦٤٣.