التخفيف الذي ناله الرهبان بفضل صلواتهم وصالح أعمالهم (١٤٢). ولم يكتف الصليبيون ببيع أراضيهم إلى الكنيسة بأثمان بخسة ليحصلوا ببيعها على ما يحتاجونه من المال، بل إنهم استدانوا الأموال من الهيئات الكنسية بضمان ممتلكاتهم أو برهانها لها؛ وكثيراً ما كانت هذه الممتلكات تؤول إلى تلك الهيئات لعجز أصحابها عن أداء ما عليها من الديون. ومن الناس من كانوا يموتون وليس لهم ورثة طبيعيون فيتركون أملاكهم كلها للكنيسة، من ذلك أن ما تلدا دوقة تسكانيا Gountess Matilda of Tuscany حاولت أن توصي للكنيسة بما يكاد يبلغ ربع مساحة إيطاليا كلها.
وإذا كانت أملاك الكنيسة مما لا يجوز انتقاله إلى غيرها، وكانت قبل عام ١٢٠٠ معفاة في الأحوال العادية من الضرائب الزمنية (١٤٣)، فقد أخذت هذه الأملاك تنمو على مر القرون، فلم يكن من الأمور غير العادية أن تمتلك كنيسة كبرى، أو يمتلك دير للرجال أو النساء، عدة آلاف من الضياع تشمل فيما تشمله نحو أثنتى عشرة بلدة، بل تشمل أحياناً مدينة كبرى أو مدينتين (١٤٤). فقد كان أسقف لانجر Langres مثلاً يمتلك المقاطعة كلها. وكان دير القديس مارتن في تور يحكم عشرين ألفاً من أرقاء الأرض، وكان أسقف بولونيا يمتلك ألفي ضيعة، وكان لدير لورسش Lorsch مثل هذا القدر من الضياع؛ وكان لدير لاس هولجاس Las Huelgas في أسبانيا أربع وستون بلدة (١٤٥)، وكانت الكنيسة في قشتالة تمتلك حوالي عام ١٢٠٠ م ربع الأراضي الزراعية، وكانت في إنجلترا تمتلك خمسها، وفي ألمانيا ثلثها، وفي ليفونيا Livonia نصفها (١٤٦). على أنه يجدر بنا أن ننبه القارئ إلى أن هذه التقديرات تقريبية، وليست كلها مما يوثق بصحته. وأضحت هذه الثروة المكدسة موضع حسد الدولة ومطمعها. فقد صادر شارل مارتل أملاك الكنيسة ليمول بها حروبه، وأصدر لويس التقي القوانين التي تحرم على من كان له أبناء أن يوصي بأملاكه إلى الكنيسة (١٤٧).