وفي قصائد الشعراء الجاهلين، وأشعار شعراء الفروسية الغزليين، وفي قصائد دانتي، وفي أقوال مؤرخي الأديرة الإخباريين أنفسهم شكاوي من بخل رجال الدين أو ثرائهم (١٥٣). وقد ندد ماثيو باريس Mathew Paris أحد الرهبان الإنجليز بجشع رجال الدين الإنجليز والرومان الذين يعيشون منعمين من أملاك المسيح (١٥٤). وكتب هيوبرت ده رومان Hubert de Romans رئيس طائفة الرهبان الدمنيك عن "بائعي صكوك الغفران البابوية الذين يفسدون المحاكم الدينية بما يقدمونه من الرشا"(١٥٥). ويتحدث بترس كانتور Petrus Cantor وهو نفسه قسيس، عن القساوسة الذين يبيعون القداس أو أدعية الغروب (١٥٦)، وشنع بكت Beckte رئيس أساقفة كنتر بري بمجلس القضاء البابوي الذي يباع ويشتري، وينقل عن هنري الثاني قولا له يفخر فيه بأن جميع أعضاء مجلس الكرادلة يتقاضون منه أجوراً (١٥٧). والحق أن تهم الرشوة والفساد قد وجهت إلى كل حكومة ظهرت في التاريخ، وإن في هذه التهم لشيئاً من الحقيقة في جميع الأحوال، غير أن فيها كذلك بعض المبالغة في حوادث منشؤها أمثلة صاخبة حدثت في بعض الأوقات، ولكن هذه التهم تثير أحياناً غضباً يكاد يبلغ حد الثورة ـ، ولقد كان يسع الأهلين الذين أقاموا بدريهماتهم الكنائس لمريم العذراء أن يحتجوا وهم غضاب على جشع الكنيسة مجتمعة، وكم من مرة قتلوا قساً عنيداً (١٥٨).
واشتركت الكنيسة نفسها في نقد جشع رجال الدين، وبذلت كثيراً من الجهود للقضاء على شره رجالها وترفهم. فلقد حاول مئات من رجال الدين من القديس بطرس داميان St. Peter Damian والقديس برنار St. Bernard والقديس فرانسس، والكاردينال فترى Cardinal de Vitry إلى صغار الرهبان تقليل هذه المساوئ (١٥٩)، وإن ما كتبه هؤلاء المصلحون من رجال الكنيسة لهو أهم المصادر التي عرفنا منها ما نعرفه عن هذه المساوئ. وقام عدد من طوائف الرهبان ينادون بضرورة إصلاحها، ويضربون بأنفسهم المثل لما