النظرية على الشريعة الكتاب المقدس الخاصة بالمروق من الدين، ولكنها قلما عملت بها. واستمسك بها ابن ميمون بلا تحفظ (٣٦).
وكانت قوانين اليونان ترى المروق من الدين - أي الامتناع عن عبادة الآلهة اليونانية (١) جريمة كبرى يعاقب عليها بالإعدام، وهذا هو القانون الذي حكم به على سقراط بالموت، وفي روما القديمة، حيث كان الآلهة حلفاء الدولة وأصدقاءها الاوفياء، كان الخروج عليهم أو التجديف في حقهم من جرائم الخيانة العظمى التي يعاقب عليها بالإعدام. فإذا لم يوجد من يتقدم باتهام المذنب، استدعى القاضي الروماني نفسه هذا المتهم وقام بتحقيق القضية (inquisition) ، ومن هذا الإجراء أخذت محكمة التفتيش أو التحقيق العصور الوسطى شكلها وأسمها. وطبق أباطرة الروم القوانين الرومانية في العالم البيزنطي فحكموا بالإعدام على المانويين وغيرهم من المارقين. ثم كثر التسامح في البلاد الغربية خلال العصور المظلمة وهي التي قلما كان أبناؤها يتحدون الكنيسة، وقال ليو التاسع أن الحرمان من الدين يجب أن يكون هو العقاب الوحيد الذي يوقع على المارقين (٣٧). ولما انتشر الإلحاد في القرن الثاني عشر قال بعض رجال الكنيسة إن حرمان الملحدين يجب أن يعقبه نفي الدولة إياهم أو سجنهم (٣٨). ولما عادت بولونيا في القرن الثاني عشر إلى اتباع القوانين الرومانية جاءت في قانونها نصوص وأساليب، ودوافع، لإنشاء محكمة تحقيق، ونقل قانون الإلحاد الكنسي كلمة من القانون الخامس المعنون Dehereticls (الضلال) في كتاب جستنيان (٣٩). وكان آخر ما فعلته الكنيسة أن أخذت في القرن الثالث عشر قانون ألد أعدائها، فردريك الثاني، وهو أن يكون الإعدام عقوبة الضلال.
ولقد كان من المبادئ العامة لدى المسيحيين - ولدى كثيرين من الضالين أنفسهم - أن الكنيسة قد أقامها ابن الله، وتبعا لهذا المبدأ كان كل هجوم على المذهب الكاثوليكي جريمة موجهة إلى الله نفسه، وكانت النظرة التي ينظر بها
(١) في الأصل الإنجليزي ١٧ ٢٥ ولكن ١٣: ١٠ هو الصحيح. (المترجم)