إليهما (٢٧)، ولكن هذا بلا ريب يظلم فرانس بعض الظلم. ولعله سمع من أبيه في تلك السنين التي يتشكل فيها خلقه شيئا عن الضالين الإلبجنسيين والولدنسيين في جنوبي فرنسا، وعن إنجيلهم الجديد إنجيل الدعوة إلى الفقر.
وحارب في عام ١٢٠٢ في جيش أسيسي بروجيا Perugia، وأسر، وقضى في الأسرة سنة شغلها كلها بالتأمل العميق. وفي عام ١٢٠٤ تطوع في جيش البابا إنوسنت الثالث. وبينما هو طريح الفراش في إسبوليتو ينتفض جسده من الحمى إذا خيل إليه أن صوتاً يناديه"لم تهجر الإله إلى الخادم، والأمير إلى تابعه؟ فسأل هو ذلك الصوت: "رباه ماذا تريدوني أن أفعل؟ " فأجابه الصوت: "عد إلى موطنك، وهناك سيقال لك ماذا تفعل" (٢٨). فما كان منه إلا ترك الجيش وعاد إلى أسيسي، ومن ذلك الوقت أخذ اهتمامه بتجارة أبيه يقل واهتمامه بالدين يزيد. وكان بالقرب من أسيسي مصلى صغيرة للقديس دميان. وبيتاً كان فرانسس يصلي فيها ذات يوم من أيام شهر فبراير عام ١٢٠٧ إذ خيل إليه أنه يسمع المسيح يتحدث إليه من المذبح، ويتقبل حياته وروحه قرباناً له. وأحس من تلك اللحظة أنه موهوب إلى حياة جديدة، فأعطى قس المصلى كل ما معه من المال وعاد إلى منزله. والتقى ذات يوم بشخص مصاب بالجذام ففر منه مشمئزاً، ثم لام نفسه لعدم إخلاصه للمسيح، وعاد أدراجه وأفرغ ما كان كيسه من النقود في يد المجذوم وقبل يده، ويقول لنا هو أن هذا العمل كان بداية عهد جديد في حياته الروحية (٢٩). وأخذ من ذلك الحين يزور مساكن المجذومين ويتصدق عليهم.
وقضى بعد قليل من ذلك الحادث عدة أيام في المصلى أو بالقرب منها، ويبدو أنه لم يكن يأكل في تلك الأيام إلا القليل الذي لا يغني عن الجوع، فلما ظهر مرة أخرى في أسيسي كان جسمه قد ضعف واهزل، ولونه قد امتقع، وثيابه قد تمزقت، وعقله قد تحير، حتى أخذ الأطفال في الميدان العام يصيحون