جديداً في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، فكان الأفراد، وكانت النقابات الطائفية، والحكومات، والكنيسة تشترك كلها في تخفيف آلام المنكوبين. وكان خراج الصدقات واجبا عاما يؤديه الجميع، فالذين يرجون دخول الجنة يوصون بالأموال للصدقات، والرجال الأغنياء يتبرعون بمهور البنات الفقيرات، ويطعمون العشرات من الفقراء في كل يوم، والمئات منهم في الأعياد الكبرى، وكان الطعام يوزع عند كثير من أبواب بيوت الأشراف ثلاث مرات في الأسبوع على كل من يعطيه (٨٦). وكانت كل سيدة عظيمة، إلا القليل النادر منهن، تحسن أن واجبها الاجتماعي، إن لم يكن واجبها الأخلاقي، أن تشترك في تدبير شئون الصدقات، ولقد دعا روجر بيكن في القرن الثالث عشر إلى أن تنشى الدولة رصيداً للإنفاق منه على الفقراء، والمرضى، والطاعنين في السن (٨٧)، ولكن القسط الأكبر من هذا العمل ترك تدبيره إلى الكنيسة، فقد كانت الكنيسة من إحدى نواحيها منظمة للصدقات تشمل القارة بأسرها، وكان جريجوري الأكبر، وشارلمان، وغيرهم يحتمون أن يخصص ربع العشور التي تجنيها كل أبرشية لمعونة الفقراء والعجزة (٨٨)، وقد نفذ هذا إلى حين، ولكن استيلاء الرؤساء من رجال الدين والعلمانيين على إيرادات الأبرشيات، أخل بإدارتها لمواردها في القرن الثاني عشر، وتحمل عب هذه الصدقات أكثر من ذي قبل الأساقفة، والرهبان، والراهبات والبابوات. وكانت الراهبات كلهن، إلا عددا قليلا من الخاطئات، يهبن أنفسهن للتعليم، والتمريض، وأعمال البر، وإن أعمالهن المطردة الاتساع في هذه النواحي لتعد من أنصع الأعمال وأعظمها تقوية للعزائم في تاريخ العصور الوسطى وتاريخ هذه الأيام. وكانت الأديرة التي تستمد مواردها من الهبات والصدقات، وإيراد الأملاك الكنيسة، تطعم الفقراء، وتعنى بالمرضى، وتفتدى الأسرى، وكان آلاف من الرهبان يعلمون الشبان، ويعنون بالأيتام، ويعملون في المستشفيات، وكان دير كلوني العظيم يكفر عما له من ثراء واسع بالتصديق بالكثير من أمواله،