لا يصدقها العقل أنهم لم يكونوا يدخنون بعد الطعام، وكان الرجال والنساء يستبدلون بهذا شرب الخمر.
وإذ كان الماء غير المغلي مما لا تؤمن عاقبته فقد كانت جميع الطبقات تجد في الجعة والنبيذ بديلا منه، ولهذا كان من الأسماء النادرة اسما Drinkwater Boileu، " اشرب الماء" وفي هذا دليل على عدم الميل إلى شربه. وكان من أنواع الخمور خمر التفاح والكمثرى، وكانا من المسكرات الرخيصة التي يتناولها الفلاحون. وكان السكر من الرذائل المحببة للرجال والنساء في العصور الوسطى، وكانت الحانات يخطئها الحصر، والجعة رخيصة الثمن، فكانت هي شراب الفقراء المعتاد يتناولونه في جميع الأوقات حتى في الفطور. وكان يسمح للأديرة والمستشفيات القائمة شمال جبال الألب بجالون من الجعة لكل شخص في اليوم (١١٩). وكان لكثير من الأديرة، والقصور، وبيوت الأغنياء، معاصرها الخاصة، لأن الجعة في البلاد الشمالية كانت من ضرورات الحياة لا تزيد عليها في ذلك إلا الخبز. وكان الأغنياء في كل الأمم، وجميع الطبقات في أوربا اللاتينية، يفضلون عليها النبيذ، وكانت فرنسا تعصر أشهر أنواعه، وتتغنى بمديحه في مئات الأغاني الشعبية. وكان الفلاحون في وقت قطف الكروم يعملون أكثر مما يعملون في سائر أيام العام، وكان رؤساء الأديرة الصالحون يجزونهم على جدهم بإجازة من القواعد الأخلاقية، وتحتوى اغنية كان يتغنى بها نزلاء دير القديس بطرس في الغابة السوداء بعض عبارات رقيقة:
فإذا وضع الفلاحون العنب، جئ بهم إلى الدير وقدم لهم اللحم والشراب بكثرة، ووضعت هناك خابية كبيرة، ملئت بالنبيذ … ليشر منها كل واحد منهم … فإذا لعب الشراب برؤوسهم وضربوا الخازن أو الطاهي، لم يؤدوا غرامة من أجل هذا العمل، وظلوا يشربون حتى لا يستطيع كل اثنين منهم أن يحملا الثالث إلى العربة (١٢٠).