للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأشياء ومستقبلها. ولقد بقيت فكرة التاريخ- كما تصورها الأنبياء والكهنة واضعو أسفار موسى الخمسة- ألف عام بعد اليونان والرومان، وأصبحت آراء عالمية يعتنقها المفكرون الأوربيون من بوثيوس Boethius إلى بوسويه Bossuet.

والقصص الغرامية الساحرة الواردة في التوراة وسط بين التاريخ والشعر. وليس في المنثور من الكتابة ما هو أدنى إلى الكمال من قصة راعوث؛ ولا تقل عنها كثيراً قصة إسحق ورفقة، ويعقوب وراحيل، ويوسف وبنيامين، وشمشون ودليلة، وإستر، ويهوديت ودانيال. ويبدأ الأدب الشعري "بنشيد موسى" (سفر الخروج الفصل الخامس عشر) و "نشيد دبورة" (القضاة الفصل الخامس عشر) ويبلغ ذروته في المزامير. وكانت ترانيم "التوبة" البابلية هي التي مهدت السبيل إلى هذه الأناشيد، ولعل أناشيد اليهود قد أخذت منها مادتها كما أخذت عنها صورتها. ويخيل إلينا أن قصيدة إخناتون في الشمس كانت ذات أثر في المزمور الخامس والخمسين بعد المائة. وأكبر الظن أن المزامير ليست كلها من وضع داود وحده بل من وضع طائفة من الشعراء كتبوها بعد الأسر اليهودي بزمن طويل، ويغلب أن يكون ذلك في القرن الثالث قبل المسيح (٢١٨). على أن هذا البحث التاريخي كله لا يعنينا كما لا يعنينا اشتقاق اسم شكسبير أو المصادر التي استمد منها مسرحياته؛ إنما الذي يعنينا هو أن المزامير تحتل المكان الأول في شعر العالم الغنائي. ولم يكن يقصد بها أن يطالعها الإنسان في جلسة واحدة، أو أن يطالعها مطالعة الناقد المدقق؛ بل إن أجمل ما فيها أنها تصف لحظات من نشوة التقى والهيام الروحي والإيمان القوي المحرك للعواطف. ولكنها يفسدها علينا ما فيها من لعنات مريرة، و "تأوهات" وشكايات مملة، وملق لا ينتهي ليهوه الذي يصب الدخان صباً من خياشيمه والنار من فمه (المزمور الثامن)، ويتوعد الأشرار بالحرق في نار الجحيم (المزمور التاسع). يتقبل الملق ويهدد "بقطع جميع الشفاه الملقة" (المزمور الثاني عشر). والمزامير مليئة بالحماسة