وكان الصيد رياضة ملكية يعمد إليها الأشراف ولا تقل شاناً عندهم عن المثاقفة. وكانت قوانين الصيد تحدد مواسمه بفترات قليلة من العام، وكانت للأشراف أملاك يصيدون فيها ويُعَد الاعتداء عليها سرقة بحكم القانون. وكانت غابات أوربا لا تزال مسكناً لوحوش لم تعترف بعد بفوز الإنسان في حربه من أجل الاستيلاء على الكواكب الذي تعيش فيه؛ وحسبنا أن نذكر أن مدينة باريس مثلا قد هاجمتها الذئاب عدة مرات في العصور الوسطى. وكان الصائد من ناحية ما يعمل للاحتفاظ بسيادة الآدمي المزعزعة على هذه الأرض، كما كان يعمل من ناحية أخرى لزيادة موارد الطعام، ولم يكن أقل من هذين العملين شأناً أنه كان يعد نفسه للحرب التي لا مفر منها بتقوية جسمه وروحه وتعويدهما ملاقاة الأخطار، والقتال، وسفك الدماء. وكان في الوقت عينه يجعل من عمله هذا مهرجاناً. فكانت القرون العظمية المصنوعة من العاج والمطعمة أحياناً بالذهب تدعو النساء، والرجال، والكلاب: النساء يجلسن في رشاقة على الجياد المتبخترة وأرجلهن على جانب واحد من السروج، والرجال في حلل زاهية وعدة حربية متباينة - القوس والسهم، والبلطة الصغيرة، والحربه، والسكين، وكلاب الصيد على اختلاف أنواعها تجذب مقودها. وإذ ما أدى الطراد إلى عبور حقول الفلاحين، كان من حق السيد وأتباعه، وضيوفه أن يعبروا هذه الحقول مهما يكن التلف الذي يصيب البذور والمحاصيل، ولم يكن يشكو من الفلاحين إلا المتهورون الذين لا يحسبون للعواقب حساباً (١٣٢). وقد نظم الفلاحون الفرنسيون الصيد فجعلوا له قواعد، وسمه الطراد، ووضعوا له مراسم وآداباً معقدة.
وكانت السيدات يشتركن بنوع خاص في أكثر ضروب الصيد أرستقراطية - وهو الصيد بالبزاة، فقد كان في جميع الضياع الأكرى أقفاص تحوي أنواعاً كثيرة من الطيور، أغلاها ثمناً هي البزاة. وكان البازي يعلم الجلوس على معصم السيد أو السيدة في أي وقت، وكانت بعض السيدات المتأنقات يحتفظن بها وهن