النزعة الدينية، وكان الغرض الأول والأساسي الذي يهدف إليه فنهم هو تجميل أعمالهم، وأجسامهم، وبيوتهم. وكان آلاف من صناع الخشب يستخدمون السكين، والمثقب، والازميل المقعر، والمنحت، ومواد الصقل، لحفر النضد، والكراسي، والمقاعد، والصناديق، والعلب، والخزائن، وأعمدة الدرج، والوزرات، والأسّرة، والصونة، وخزانات الطعام والشراب، والصور والتماثيل المقدسة، وأجزاء المذابح الكنيسة، وأماكن المرنمين … وتزينها بما لا يحصى من أنواع الأشكال والموضوعات، بارزة وغير بارزة، وكثيراً ما كانوا يضفون الفكاهات الخبيثة التي لا تعرف الفوارق بين ما هو مقدس وما هو دنس. وفي وسعنا أن نجد على الخناجر أشكالاً للبخلاء، والنهمين، والثرثارين، والحيوانات والطيور الغريبة ذات الرؤوس الآدمية. وكان نحاتو الخشب من أهل البندقية يصنعون في بعض الأحيان براويز أجمل من الصور التي في داخلها وأعظم منها قيمة، وفي القرن الثاني عشر بدا الألمان في صناعة حفر الخشب العجيبة التي أضحت من الفنون الكبرى في القرن السادس عشر (١).
ولم يكن الذين يعملون في المعادن أقل شأناً من العاملين في الخشب. فقد كانوا يصنعون الحديد المشغول الرشيق للنوافذ، والأفنية، والأبواب الخارجية، والمفصلات قوية تمتد في عرض الأبواب الضخمة ذات أشكال نباتية متنوعة (كالتي نشاهدها في كنيسة نتردام NotreDame في باريس)، وكان ما يصنع منه لمقاعد المرنمين في الكنائس الكبرى "صلباً الحديد" ورقيقاً، كالمخرمات. وكان الحديد، أو البرونز، أو النحاس يصهر أو يطرق لتصنع منه أجمل المزهريات والقدور، والأباريق، والماثلات، والمباخر، والعلب، والمصابيح، وكانت صفائح البرنز تغطي كثيراً من أبواب الكنائس. وكان صناع الأسلحة يحبون أن
(١) انظر سورة "الصلب" الباقية من القرن الثاني عشر في متحف هلير ستاوت أو تمثال جيمس الأصغر James the Less الباقي من القرن الثالث عشر والمحفوظ بالمتحف الفني في نيويورك.