اتساع مجال فنون الصياغة الفصول التسعة والسبعون التي خص بها ثيوفيلس هذا الفن في كتابه. فيها نجد أن كل صائغ في العصور الوسطى كان ينتظر أن يكون هو وقليني Celiini سواء -يصهر، وينحت، ويطلى بالميناء، ويركب بالجواهر، ويطعم. وكن في باريس في القرن الثالث عشر نقابة قوية للصياغ وتجار الجواهر، وذاعت منذ ذلك الحين شهرة قاطعي الجواهر الباريسيين في عمل الجواهر الصناعية (٥). وكانت الأختام التي يبصم بها الأغنياء الشمع الموضوع على رسائلهم أو مظاريفها تصمم وتحفر بعناية فائقة، وكان لكل رئيس ديني خاتم رسمي، وكان كل رجل ظريف أو متظرف يتباهى بخاتم، إن لم يتباهى بأكثر من خاتم، في يده. ألا إن الذين يقدمون لبني الإنسان أسباب غرورهم قلما يعدمون قوتهم.
وكانت النقوش البارزة الصغيرة على المواد الثمينة شائعة بين الأغنياء. وكان لهنري الثالث ملك إنجلترا نقش من هذا النوع قدرت قيمته بمائتي جنيه (٠٠٠ و ٤٠ ريال أمريكي)، وجاء بولدين الثاني بنقش أعظم من هذا قيمه من القسطنطينية ليضعه في سانت شابل Sainte Chapelle بباريس. وكان العاج يحفر بأعظم عناية ويبذل في حفرة جهد كبير طوال العصور الوسطى، وتصنع من أمشاط، وعلب، ومقابض، وقرون للشرب، وتماثيل مقدسة، وجلود للكتب، ومحافظ لأوراق الكتابة مزدوجة الثنايا أو مثلثتها، وعصى، وصوالج الأساقفة، وعلب وأضرحة .. وفي متحف اللوفر مجموعة من الأدوات العاجية من مخلفات القرن الثالث عشر تقترب من الكمال قرباً يثير الدهشة وتمثل النزول عن الصليب. وقد غلب الخيال وغلبت الفكاهة على التقى في أواخر هذا القرن فظهرت في بعض الأحيان نقوش دقيقة لمناظر غاية في الدقة في بعض الأحيان على علب المرايا وصناديق الزينة المعدة للنساء اللاتي لا يستطعن أن يعكفن على التقى في جميع الأوقات.