التنينات، والقنطروسات، والنمورة، والآساد … وأولئك المقاتلين، ومناظر الصيد التي تغطي الجدران؟ … وماذا تعمل تلك المخلوقات التي نصفها وحوش ونصفها أناسي؟ … إنا لنرى هنا عدة أجسام تحت رأس واحد، وعدة رؤوس فوق جسم واحد، ونرى في مكان ما حيواناً من ذوات الأربع له رأس ثعبان، وفي مكان آخر سمكة لها رأس حيوان من ذوات الأربع، ونرى في مكان غيره جواداً من الأمام وماعزاً من الخلف (٤).
وقد دمر دير كلوني في أثناء اضطرابات الثورة الفرنسية، ولكن أثره المعماري انتشر في الألفين من الأديرة المنتسبة إليه. ولا يزال جنوبي فرنسا غنياً بالكنائس الرومنسية، فقد كانت التقاليد الرومانية فيها قوية في الفن كما كانت قوية في القوانين، وظلت زمناً طويلاً تقاوم الطراز "البربري" القوطي الذي أقبل عليها من الشمال. وإذ كان الرخام نادراً في فرنسا فقد عوضت نقص البريق الخارجي بكثرة الصور المنحوتة، وإن ما تمتاز به التماثيل من قوة التعبير لمما يثير الدهشة- ففيها يتبين الناظر العزم على نقل الإحساس بدل نقل المنظر، ولهذا فإن صورة القديس بطرس القائمة عند باب دير مواساك Moissac، (١١٥٠) بوجهها المعذب وساقيها العنكبوتيتين لم تكن تهدف بلا ريب إلى إبراز خطوط البناء بقدر ما كانت تهدف إلى التأثير في خيال الناظر إليها وبث الرعب في قلبه. وتدل صور النبات الدقيقة الواقعية في تيجان أعمدة مواساك على أن المثالين قد عمدوا عن قصد إلى تشويها يرسمون من الصور. وخير ما يوجد من هذه الواجهات الرومنسية في فرنسا هو المدخل الغربي لكنيسة القديس تروفيم St. Trophime في آرك (١١٥٢)، المزدحمة بصور الحيوانات والأولياء الصالحين.
وشادت أسبانيا ضريحاً رومنسياً فخماً في كنيسة سنتياجو دي كمبستسلا (١٠٧٨ - ١٢١١) الذي يحتوي "باب المجد" Portico de Glorira فيها