ما كادوا يضعون سقفه حتى انهار واستفاق جيل آخر من هذه الكارثة فأعاد بناء موضع المرنمين إلى ارتفاعه السابق ولكنه انهار مرة أخرى في عام ١٢٨٤. وأعيد البناء للمرة الثالثة وعلوا به هذه المرة إلى ارتفاع ١٥٧ قدماً فوق الأرض، ولما نفد ما عندهم من المال تركوا الكنيسة قرنين كاملين من غير جناحين أو صحن. ولما أفاقت فرنسا آخر الأمر من حرب المائة السنين في عام ١٥٠٠، بدئ الجناحان الضخمان، ثم أقيم فوق ملتقى الجناحين برج فانوس بلغ ارتفاعه خمسمائة قدم ليعلو بذلك على شمروخ كنيسة القديس بطرس في روما. وانهار هذا البرج أيضاً في عام ١٥٧٣ وانهار معه كبير من الجناحين ومكان المرنمين. ثم قنع أهل بوفيه الأبطال آخر الأمر بحل وسط: فرمموا موضع المرنمين وبلغوا به علوه غير الأمين، ولكنهم لم يضيفوا إليه صحناً، ولهذا فإن كثدرائية بوفيه كأنها رأس بلا جسم، فهي من خارجها واجهتان لجناحين جميلين قيمين، وقبا تحيط به وتخفيه السنادات، ومن داخلها موضع للمرنمين كالكهف يتلألأ بالزجاج الفخم الملون. ويقول أحد الأمثال الفرنسية القديمة إنه لو استطاع الإنسان أن يضم موضع المرنمين في كنيسة بوفيه إلى صحن كنيسة أمين، وإلى واجهة ريمس وشماريخ تشارتر، لو استطاع ذلك لكانت كثدرائية قرطبة تبلغ حد الكمال.
وإذا ما عاد الناس بخيالهم في العصور المقبلة إلى ذلك القرن الثالث عشر فسوف تتملكهم الحيرة فلا يدرون من أين كان لأهل هذا القرن ذلك الثراء الذي أقاموا به على الأرض تلك الصروح الفخمة المجيدة. ذلك أنه ما من أحد يستطيع أن يعرف ما صنعته فرنسا في ذلك الوقت - بالإضافة إلى جامعتها، وشعرائها، وفلاسفتها، وحروبها الصليبية- إذا وقف بنفسه أمام واحدة تلو واحدة من تلك الصروح القوطية الجريئة التي لا تعدو أن تكون هنا مجرد أسماء: نوتردام، وتشارتر، وريمس، وأمين، وبوفيه؛ وبروج (١١٩٥ - ١٣٥٠)