ما يظهر (٢٧). ونجت مدارس الأديرة الألمانية من اضطرابات القرن التاسع، وأسهمت بنصيب مثمر في النهضة الأتونية Ottonian؛ وكانت ألمانيا في القرنين التاسع والعاشر تعلو على فرنسا في كل ما يزين العقل؛ ذلك أن انحلال البيت الكارولنجي في فرنسا، وغارات أهل الشمال، كانا ضربتين قويتين وجهتا إلى مدارس الأديرة، ولهذا لم تبقى مدرسة القصر التي أنشأها شارلمان في بلاط الفرنجة بعد ان مات شارل الأصلع (في عام ٨٧٧). وزادت الأسقفيات الفرنسية قوة كلما زاد الملوك ضعفاً، ولما أن وقفت غارات أهل الشمال كان الأساقفة ورجال الدين في خارج الأديرة أغنى من رؤساء الأديرة ومن الأديرة نفسها، ولهذا قامت مدارس الكتدرائيات في القرن العاشر في باريس، وشارتر، وأورليان، وتور، ولاؤن، وريمس، ولييج، وكولوني؛ على حين أن مدارس الأديرة ضعفت في ذلك القرن؛ ولما توفي فلبرت الصالح العظيم في شارتر، احتفظ الأسقف إِيفو Ivo بالمستوى الرفيع وبحسن السمعة الذين نالتهما مدرسة كتدرائيتها في الدراسات اليونانية والرومانية القديمة، وجرى برنار أسقف شارتر الذي خلف إِيفو على تقاليد سلفه الطيبة، وقد وصف حنا السلزبري برنار هذا في القرن الثاني عشر بقوله انه "في الوقت الحاضر اغزر منبع للآداب في غالة وعظم هذه المنابع روعة"(٢٨). وفي إنجلترا ذاعت شهرة مدرسة يورك حتى قبل أن تعير ألكوين إلى شارلمان؛ وكادت مدرسة كنتربري تصبح جامعة ذات مكتبة كبيرة، وكان أمينها هو الرجل العظيم حنا السلزبري السالف الذكر؛ وهو رجل من اعظم العلماء والفلاسفة عقلاً في العصور الوسطى. ويبدو ان الطلاب الذين يهيأون لان يكونوا قساوسة كان ينفق عليهم من أموال الكتدرائية، أما غيرهم من الطلاب فكانوا يؤدون أجوراً قليلة. وقد أصدر مجلس لاتران الثالث (١١٧٩) قراراً يقول: "لكي لا يحرم الأطفال الفقراء من فرصة القراءة والرقى … يجب أن يخصص مرتب كافي لمدرس يعلم بالمجان من يعدون لممارسة مهنة الكهانة