أكلا الفاكهة المحرمة قد باعا نفسهما وباعا كل نسلهما الى الشيطأن، وأن لا شيء يستطيع افتداء البشرية من الشيطان والجحيم إلا موت الله الذي اصبح إنساناً. وعرض أنسلم حجة أدق من هذه وابلغ فقال: أن عصيان أبوينا الأولين كان ذنباً غير محدود لأنه ذنب في حق كائن غير محدود، وأنه قلب النظام الخلقي للعالم كله، ولا شيء يمكن أن يوازن ويمحو ذلك الذنب غير المحدد إلا التكفير عنه تكفيراً غير محدود؛ ولا يستطيع تقديم هذه الكفارة الغير محدودة إلا كائن غير محدود؛ ومن اجل هذا صار الإله إنساناً لكي يعيد إلى العالم توازنه الأخلاقي.
ونمت واقعية أنسلم وتطورت على يد تلميذ من تلاميذ روسلان يدعى وليم الشابوكسي William of Chapeaux (١٠٧٠؟ - ١١٢١) . فقد بدأ وليم في عام ١١٠٣ يعلم الجدل في مدرسة كتدرائية نتردام بباريس. وإذا جاز لنا أن نصدق أبلار -الذي كانت براعته الحربية تحول دون براعته التاريخية- قلنا أن وليم ذهب إلى ابعد مما ذهب إليه أفلاطون، فكان أفلاطونياً اكثر من أفلاطون نفسه حين قال أن الكليات ليست حقائق موضوعية فحسب، بل أن الفرد تحوير عارضي للحقيقة الجنسية، ولا وجود له إلا باشتراكه في الكلى؛ وعلى هذا فالإنسانية هي الكائن الحقبي، الذي يدخل في سقراط، ويكسبه وجوده. وينقلون عن وليم أنه قال فضلاً عن هذا أن الكلى بأجمعه حاضر في كل فرد من صنفه، فالإنسانية كلها حاضرة في سقراط وفي الاسكندر.
والقي أبلار عصا التسيار في مدرسة وليم بعد المثير من التجوال العلمي (١١٠٣)، وكان وقتئذ في الرابعة والعشرين أو الخامسة والعشرين من عمره. وكان وسيم الخلق حسن القوام، بهي الطلعة (٧). ذا جبهة عريضة تبعث في النفس الروعة؛ وكانت روحه المرحة تكسب طباعة وحديثة فتنة وحيوية. وكان يستطيع تأليف الأغاني وإنشادها، وكانت فكاهته القوية تزلزل الضعاف في قاعات الجدل. وكان شاباً مرحاً طروباً، عرف في الوقت نفسه باريس والفلسفة.