الصورة التي رسمها هذا الفيلسوف لإر Er هي التي لونت خيال المسيحيين عن الجحيم. وقد جاءت الموجات المتتابعة من الكتب العربية واليونانية والإسلامية من أفكار جديدة تتحدى الأفكار المسيحية وتختلف عنها اختلافاً يهدد باكتساح لاهوت العالم المسيحي كله إذا لم تنشئ المسيحية لها فلسفة مناهضة لهما. على أن هذه المؤثرات لم نكن تستطيع أن تنشئ تلك الفلسفة المسيحية إذا كان الغرب قد ظل فقيراً كما كان؛ أما الذي جعل لهذه العوامل أثراً فعالاً فهو نمو الثورة حين أخذت الزراعة تعزو القارة الأوربية، وأتسع نطاق التجارة والصناعة، وتكاثرت الأموال وما تؤديه من خدمات. وتعاونت هذه النهضة الاقتصادية مع تحرر المدن ذات الحكم الذاتي، وقيام الجماعات، وإحياء الآداب اللاتينية والقانون الروماني، وتقنين الشريعة الكنيسة، ومجد الفن القوطي، وازدهار الأدب الخيالي، و (علم) الشعراء الغزلين (المرح)، واستيقاظ العلوم، وبعث الفلسفة، وتعاونت هذه كلها على إيجاد (نهضة القرن الثاني عشر).
وجاء في أعقاب ثورة الفراغ، والدرس، والمدارس. وكانت كلمة Scholê تعنى في أول الأمر الفراغ. وكان الأسكلاستكوس scholasticus هو المدرس أو الأستاذ، كما كانت عبارة (الفلسفة المدرسية) تعنى الفلسفة التي تدرس في مدارس العصور الوسطى الثانوية أو في الجامعات التي نشأت كثرتها الغالبة من هذه المدارس الثانوية. كذلك كانت (الطريقة المدرسية) هي أسلوب الجدل الفلسفي والعرض الفلسفي الذين يستخدمان في هذه المدارس. وإذا ما استثنينا فصول أبلار التي كانت في باريس أو قريبة منها، فقد كانت مدرسة شارتر أكثر هذه المدارس نشاطاً وأعظمها شهرة؛ ففيها امتزجت الفلسفة بالأدب، وكان في وسع من يتخرج فيها أن يكتب في المسائل الخفية العويصة بالوضوح والظرف اللذين أصبحا من التقاليد المشرفة في فرنسا. وكان أفلاطون، الذي جعل هو