للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معارضيه بما أورده من فروق دقيقة، وعاد إلى موطنه غير مدين. وحوكم مرة أخرى بعد سنة من ذلك الوقت، ورضى أن تحرق بعض فقرات انتزعت من كتبه، ولكنه عاد حراً إلى أبرشيتة؛ ولما طلب إليه أن يناقش آراءه مع برنار رفض الاقتراح وقال: أن هذا القديس يعوزه التبحر في اللاهوت إلى حد لا يستطيع معه فهم آرائه (١٠)، ويقول عنه يوحنا اللزبري: أن جلبرت "ناضج في الثقافة الحرة نضوجاً لا يفوقه فيه أحد من الناس (١١) ".

وكان في مقدور يوحنا أن يقول هذا القول عن نفسه، لأنه كان من بين الفلاسفة المدرسيين أوسعهم ثقافة وأكثرهم تهذيباً، وأبلغهم قلماً. وكان مولده في لزبري حوالي عام ١١١٧، وتتلمذ على أبلار في جبل القديس جفيف، وعلى وليم الكوشي في شارتر، وعلى جلبرت ده لابريه في باريس، ثم عاد إلى إنجلترا في عام ١١٤٩، وعمل أميناً لاثنين من رؤساء أساقفة كنتر بري هما: ثيوبولد وتومس أبكت، وقام لهما بعدة مهام دبلوماسية، زار فيها إيطاليا ست مرات، وأقام في البلاط البابوي ثماني سنين، وشارك بكت في ألقى في فرنسا، وشاهد مقتله في كتدرائيته، وعين أسقفاً لشارتر في عام ١١٧٨، وتوفى في عام ١١٨٠. وكانت حياته مليئة بالجلد، متعددة النواحي، عمل فيها هذا الرجل على وضع المنطق تحت مخبار تجارب الحياة ودراسة الفلسفة بتواضع منقطع النظير. ولما تقدمت به السن ورجع إلى آراء المدارس الفلسفية المختلفة أدهشه أن يراها لا تزال تجادل في الفرق بين الاسمية والواقعية: "ليس في مقدور الإنسان أن يتجنب هذه المسألة، ولقد حرم العالم وهو يبحثها، واستغرق بحثها من الوقت أكثر مما أستغرقه القياصرة في فتح العالم وحكمه … وأيا كانت النقطة التي يبدأ منها النقاش، فأنه يعود على الدوام ويرتبط بتلك المسألة، فهي أشبه بجنون روفس Rofus بنيفيا Naevia: " أنه لا يفكر في شيء آخر، ولا يتحدث عن شيء آخر، ولو أن نيفيا لم يوجد لظل روفس أبكم لا يبين" (١٢).