يبدو لنا أنه هراء، ولكن هراءه نفسه مصوغ في أسلوب من التسامح والظرف لا نكاد نعثر على ما يماثله بعدئذ قبل إرزمس Erasmus. وكان يوحنا أيضاً من الإنسانيين، يحب الحياة أكثر مما يحب الخلود، ويعشق الجمال والرحمة أكثر مما يعشق العقائد التحكمية في أي دين، ويقتبس من الآداب اليونانية - الرومانية القديمة وهو منشرح مغتبط أكثر منه حين يقتبس من صحف الكتاب المقدس. وهو يضع ثبتاً (بالأشياء التي يصح للرجل الحكيم أن يشك فيها dubitabilia، ومنها طبيعة النفس ومنشؤها، وخلق العالم، والعلاقة بين علم الله السابق وحرية الإرادة. ولكنه كان أحصف من أن يندفع إلى الإلحاد، بل كان يسير وسط الجدل القائم في أيامه بحصافة دبلوماسية وسحر خلاب. ولم يكن يرى أن الفلسفة صورة من صور الحرب، بل كان يراها بلسما للسلام، وبقول أن الفلسفة قوة مطلقة معدلة في الأشياء جميعها، وأن من وصل بطريق الفلسفة إلى الإحسان والمحبة فقد بلغ هدفها الحق" (١٨).