أن من الصعب علينا أن نتصور الروح غير المادية (وهو يسبق برجسون في قوله هذا) لان العقل يعتمد على الحواس، ولان تجاربنا الخارجية كلها مقصورة على الأشياء المادية؛ وعلى هذا (لا نعرف الأشياء المجردة من الأجسام، والتي لا صور لها، إلا بمقارنتها بالأجسام المحسوسة التي لها صور)(٨٣). وليس في مقدورنا أن نعرف الله (كما يقول ابن ميمون) إلا عن طريق المجاز والتشبيه، فستدل عليه من أنفسنا ومن تجاربنا؛ وعلى هذا فإذا كان في الناس خير، وحب، وحق، وعقل، وقدرة، وحرية، أو أي ميزة اخرى، فلا بد ان تكون هذه أيضاً في خالق الإنسان، وان تكون فيه بدرجة أعلى تتفق مع النسبة الموجودة بين اللانهائية وبيننا نحن. وإذا ما استعملنا ضمائر المذكر حين نتحدث عن الله فليس ذلك إلا من قبيل التيسير، أما الحقيقة فليس ثمة ذكر وأنثى في الله ولا في الملائكة. والله واحد لأنه حسب تعريفه هو الوجود ذاته، وان السير العالم الموحد ليكشف عن عقل واحد وقانون واحد. وان القول بوجود ثلاثة أقانيم في هذه الوحدة الإلهية له سر غامض لا يدركه العقل، ولا بد أن تعتقده بإيمان الواثقين.
وليس في مقدورنا كذلك أن نعرف هل خلق العالم في وقت بعينه، وبذلك يكون قد خلق من لاشيء، أو هل هو أزلي كما يظن أرسطو وابن رشد؟ ومن رأيه أن الحجج التي يدلى بها رجال الدين ليثبتوا بها خلق العالم في زمن بعينه حجج واهية يجب رفضها (حتى لا تبدو العقيدة السمحة بأنها قائمة على أسانيد منطقية جوفاء)(٨٤). ويستنتج تومس من هذا أن علينا أن تعتقد بالاستناد إلى إيماننا وحده بخلق العالم في وقت معين؛ إذ ليس ثمة وقت بلا تغيير، ولا مادة تتحرك. وهو يحاول بأقصى جهده ان يشرح كيف ينتقل الله من لا خلق إلى خلق دون أن يعتريه تغير. وعملية الخلق في رأيه أزلية، ولكنها