ان تكون فكرة كلية، أو تقفز إلى الإمام والى الخلف في الزمان، او تدرك الكبير والصغير بدرجة واحدة من السهولة (٩٩). وفي مقدور العقل أن يدرك نفسه، ولكن من المستحيل ان نتصور كائناً مادياً يدرك نفسه.
ولهذا فلا حرج علينا إذا اعتقدنا إن هذه القوة الروحية الموجودة فينا تبقى بعد موت الجسم؛ ولكن النفس التي تفارق الجسم على هذا النحو ليست ذات شخصية؛ فهي لا تقدر ان تحس أو تريد، أو تفكر، بل هي طيف لا قوة له ولا يستطيع أن يقوم بعمل بغير الجسم (١٠٠)، ولا تكون مع الجسم شخصية منفردة لا يجوز عليها الموت إلا إذا عادت إلى الاتحاد مع الجسم، أي مع الإطار الجسدي الذي كانت هي حياته الداخلية. ولقد كان السبب الذي دفع ابن رشد واتباعه إلى النظرية القائلة بأن (لا خلود إلا للعقل الفاعل) وحده، أو نفس الكون، أو نفس النوع، هو عدم إيمانهم ببعث الجسم. أما تومس فيسخر كل ما وهب من قوة الجدل ليدحض هذه النظرية؛ وعنده ان اختلافه عن ابن رشد في مسألة الخلود هم أهم المشاكل القائمة في القرن الذي يعيش فيه، وان ما ينشأ عن الوقائع الحربية من تبديل في الحدود وتغيير في الألقاب يبدو إلى جانبها عبثا وجنودنا لا اكثر.
ويقول تومس إن للنفس خمس صور أو قوى: النفس النباتية وبها نطعم، وننمو، ونتكاثر؛ والنفس الحاسة وبها نستقبل التنبيهات من العالم الخارجي؛ والنفس المشتهية، وبها نرغب ونريد، والنفس المحركة وبها تحدث الحركة، والنفس العاقلة وبها نفكر (١٠١). والمعلومات كلها تبدأ بالحواس، ولكن التنبيهات لا تسقط على سطح فارغ أملس؛ بل يتلقاها بناء معقد هو مركز الإحساس المشترك، الذي يصوغ هذه التنبيهات أو الأحاسيس فيؤلف منها أفكاراً. ويتفق تومس مع أرسطو ولُك Locke في انه "لا شيء في العقل لم يكن له من قبل وجود في الحواس"، ولكنه يضيف إلى ذلك كما يضيف كانت وليبنتز قوله: