الجسمية، ولا في الشرف، ولا في الثروة، ولا في السلطان. بل انه لا يجدها في الأعمال الصادرة عن الفضيلة الخلقية، وان حصل من هذه كلها على البهجة. ولنسم كذلك بان (النظام الكامل للجسم ضروري … للسعادة الكاملة)(١٠٧). ولكن ليس في هذه الطيبات كلها ما يضارع السعادة الهادئة الشاملة المتصلة الناشئة من الفهم. ولعل تومس كان يذكر وقتئذ قول فرجيل:(ما اسعد من استطاع أن يعرف علل الأشياء!) فاعتقد إن أسمى عمل تقوم به النفس واعظم ما تغتبط به - أي الذروة الطبيعية لعقليتها الخاصة - هي (أن ينقش عليها النظام الكامل للكون وأسبابه)(١٠٨). وان السلام الذي يعلو على الفهم لينشأ من الفهم.
ولكن هذه السعادة الدنيوية العليا نفسها لا تترك لإنسان راضياً كل الرضا قانعاً كل القناعة، فهو يعرف معرفة غامضة ان (السعادة الكاملة الحقة لا يمكن أن تنال في هذه الحياة). وان في داخله صوتاً لا يمكن إسكاته يجعله يتوق على الدوام ولفهم لا يتأثران بما يتعرض له الآدميون الفانون من تغيرات ومن صرف الزمان. وقد تجد غير هذه الشهوات ما يشبعها في الطيبات الوسطى، أما عقل الإنسان الكامل فلن يستريح إلا إذا وصل الى ذروة الحق وجماعة وهو الله (١٠٩). ففي الله وحده الخير الأسمى لأنه مصدر كل الطيبات الاخرى، ولانه علة سائر العلل، وحقيقة كل الحقائق، والهدف الأخير للإنسان هو نور النعيم الباهر- الرؤيا التي تهب السعادة (١).
وعلى هذا يكون علم الأخلاق هو الفن والعلم اللذين يعدان الإنسان لبلوغ هذه السعادة النهائية السرمدية؛ ويمكن تعريف الطيبة الخلقية أو الفضيلة بأنها السلوك المؤدي إلى غاية الإنسان الحقة وهي أن يرى الله. والإنسان بطبعه ميال الى الخير- المرغوب فيه: ولكن ما يراه هو خيراً ليس في كل الأحوال خيراً
(١) وهو النور الذي يراه الملائكة والأبرار عند دخولهم الجنة. (المترجم)