حرية ارتكاب الخطأ، ولكنه يهبنا ايضاً، بوحيه الإلهي، الشعور بالصواب والخطأ. وهذا الضمير الغريزي ذو سلطان مطلق يجب أن يطاع مهما تكن النتيجة؛ فإذا أمرت الكنيسة إنساناً بشيء يخالف ضميره وجب عليه ان يعصى أمرها، وإذا حدثه ضميره بان الإيمان بالمسيح شر، وجب عليه أن ينفر من ذلك الدين (١١٦).
والضمير في الأحوال العادية لا يميل بنا إلى الفضائل الطبيعية وحدها كالعدالة، والفطنة، والجلد، بل يميل بنا أيضاً الى الفضائل التي يأمرنا بها الدين كالإيمان، والأمل، والصدقات. وهذه الثلاث الصفات الأخيرة هي الصفات الخلقية التي يمتاز بها الدين المسيحي، وهي أيضاً سبب مجده. والإيمان واجب أخلاقي على الإنسان لان العقل البشري قاصر محدود؛ فعلى الإنسان أن يصدق تصديقاً قائماً على الإيمان عقائد الكنيسة التي تعلو على إدراك العقل وعقائدها التي يستطيع أن يعرفها بطريق العقل. وإذا كان الخطأ في شؤون الدين قد يؤدي بالإنسان إلى الجحيم، فان من الواجب ألا يتسامح في عدم الإيمان إلا إذا قصد بذلك تجنب شر أكبر؛ (فالكنيسة قد أجازت في بعض الأحيان شعائر الملحدين والوثنيين أنفسهم، حين كان غير المؤمنين كثيري العدد)(١١٧). ويجب الا يسمح لغير المؤمنين بأن يكون لهم السيطرة أو السلطان على المؤمنين (١١٨)؛ ويمكن التسامح بوجه خاص مع اليهود لان شعائرهم ترمز إلى شعائر الدين المسيحي قبل ظهوره، فتشهد بذلك على صحة هذا الدين (١١٩). ويجب الا يرغم اليهود غير المعمدين على اعتناق الدين المسيحي (١٢٠)، ولكن الملحدين- وهم الذين تخلو عن إيمانهم بعقائد الكنيسة- يجوز إرغامهم دون ان يكون ذلك حرج على من يرغمهم (١٢١). ويجب أن لا يعد أي إنسان ملحداً إلا إذا أصر على خطئه بعد أن تبينه له سلطة كهنويته؛ والذين يرجعون عن إلحادهم يمكن أن يسمح لهم بالتفكير عن ذنوبهم، بل يمكن فوق ذلك أن تعادلهم كرامتهم الأولى؛ فإذا عادوا