وكلما سمت أغراض السلطة ازداد نبلها؛ ويجب أن يخضع ملوك الأرض، الذين يهدون الناس إلى السعادة الدنيوية، لسلطان البابا الذي يهدي الناس إلى السعادة الأبدية. على انه يجب أن تبقى الدولة صاحبة السلطان في الشئون الدنيوية، غير أن من حق البابا في هذه الشئون نفسها أن يتدخل إذا خالف الحكام قواعد الأخلاق الصالحة أو تسببوا في الأضرار بشعوبهم إضراراً كان يستطاع تجنبه. ولهذا فمن حق البابا أن يعاقب الملك المسيء أو يعفي رعاياه من يمين الولاء له؛ وفوق هذا فان من واجب الدولة إن تحمي الدين، وتؤيد الكنيسة، وتنفذ قراراتها (١٣٤).
والمهمة العليا للكنيسة أن تهدي الناس إلى سبيل النجاة؛ وليس الإنسان مواطناً في هذه الدولة الأرضية وحدها، بل هو فوق ذلك مواطن في مملكة روحية اعظم إلى ابعد حد من أية دولة أخرى. وحقائق التاريخ الكبرى تنبئ إن الإنسان قد ارتكب جرماً لا حد له بعصيان الله، فاستحق بهذا العصيان عقاباً لا حد له، وان الله الابن قد اصبح إنساناً وقاسى العار والموت، وانه قد خلق رصيداً من البركة المنجية يستطيع الإنسان أن ينجو به رغم خطيئته الاولى؛ والله يهب من يشاء من هذه البركة ما يشاء؛ وليس في مقدورنا ان نتبين أسباب اختياره، ولكن (ما من أحد من الناس قد بلغ من الجنون حداً يقول معه إن الجدارة هي سبب الاختبار الإلهي)(١٣٥). وتتردد عقيد بولس وأوغسطين الرهيبة في أقوال تومس الرفيق الظريف:
(من الخير أن يسير الله الإنسان بقضائه وقدره، لان الأشياء جميعاً خاضعة لمشيئته … وإذا كان الناس قد هيئوا للحياة السرمدية بمشيئة الله، فان من مشيئة الله أيضاً أن يسمح لبعضهم أن يعجزوا عن بلوغ هذه الغاية، وهذا هو ما يسمى (الشقاء) … وإذا كان قضاء الله وقدره يشمل إرادته في أن يهب البركة والمجد، فان الشقاء أيضاً يشمل إرادته في أن يسمح لشخص ما ان يقع في الخطيئة،