للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الحواس (٨٨) ". ويدلي أدلارد ببعض الأجوبة الطريفة وإن كان يسرف في اعتماده على المنطق الاستدلالي. فإذا سئل ما الذي يمسك الأرض في الفضاء أجاب بأن أسفل الأرض ومركزها شيء واحد؛ ويسأل إلى أي مدى يسقط الحجر إذا ألقى في ثقب يخترق مركز الأرض إلى الجانب الآخر منها؟ فيجيب بأنه لا يصل إلاّ إلى مركز الأرض. وهو يذكر في وضوح مبدأ عدم فناء المادة، ويقول إن مبدأ الاستمرار العالي يجعل وجود الفراغ مستحيلاً. وجملة القول أن أدلارد برهان ساطع على يقظة العقل في أوربا المسيحية أثناء القرن الثاني عشر. فقد كان شديد التحمس لإمكانيات العلوم، ويسمّى في زهو وخيلاء عصره أي عصر أدلارد بالعصر الحديث (٨٩)، وأعلى ما وصل إليه التاريخ كله.

أما ألبرتس مجنس فلم تبلغ روحه العلمية ما بلغته روح أدلارد، ولكن شغفه بمعرفة حقائق الكون أدى به إلى إنتاج ضخم أكسبه اسم "العظيم". واتخذت معظم مؤلفاته العلمية، كما اتخذت معظم مؤلفاته الفلسفية، صورة شروح لرسائل أرسطو المقابلة لها، ولكنها تحتوي من حين إلى حين نسمات جديدة من الملاحظات المبتكرة، وتتاح له وسط سحب المقتبسات المنقولة عن المؤلفين اليونان، والعرب، واليهود فرص ينظر فيها إلى الطبيعة بنفسه. وقد زار معامل التجارب، والمناجم، ودرس كثيراً من المعادن المتنوعة، وفحص عن حيوان بلاده الأصلية - ألمانيا - ونباتها، ولاحظ حلول البحر محل الأرض والأرض محل البحر، وفسر بذلك وجود الحفريات القديمة في الصخور. وإذ كانت فلسفته قد طغت على علمه فحالت بينه وبين الدقة العلمية، فق ترك نظرياته "القَبْلية" (١) تؤثر في نظرته العلمية، مثال ذلك ادعاؤه أنه رأى شعر الخيل يتحول في الماء إلى ديدان. ولكنه كان مثل أدلارد يرفض تفسير الظواهر الطبيعية بأنها تحدث


(١) النظريات القبلية هي التي تكون في عقل الباحث قبل أن يثبتها بالأدلة الاستقرائية Appiori theories