وأطلق فيما بعد على هذه التمثيليات المستمدة من الكتاب المقدس اسم "الأفعال الخفية"؛ واللفظ مشتق من الكلمة اللاتينية ministerium ومعناها الفعل، وكان هذا أيضاً هو معنى drama. ولمّا أضحت القصة تمثّل أحداثاً وقعت بعد زمن الكتاب المقدس سمّيت بمسرحيات المعجزات، وكانت تدور في العادة حول بعض الأفعال العجيبة التي قامت بها العذراء أو قام بها بعض القديسين. وقد كتب هيلاريوس Hillarius تلميذ أبلار كثيراً من هذه المسرحيات (حوالي ١١٢٥) بخليط من اللغتين اللاتينية والفرنسية، ولم ينتصف القرن الثالث عشر حتى كانت اللغات القومية الأداة التي تكتب بها "مسرحيات المعجزات". وأخذت الفكاهات المتزايدة الصراحة تصبح فيها ذات شأن مطرد الزيادة، كما أصبحت موضوعاتها تتجه شيئاً فشيئاً وجهة دنيوية غير دينية.
وكانت "المهازل" في هذه الأثناء قد أخذت تتطور تطوراً مستقلاً نحو المسرحيات. ويتمثل هذا التطور في مسرحيتين قصيرتين وصلتا إلينا من قلم آدم ده لا هال Adam de la Halle ( حوالي ١٢٦٠)، وهو رجل أحدب من أراس Arras. وتدور إحدى هاتين المسرحيتين، مسرحية آدم Li jus Adam، حول حياة المؤلف نفسه. فقد كان يفكر في أن يكون قساً، ولكنه أحب مارية الحسناء. "وفي يوم جميل من أيام الصيف سماؤه صافية، وجوّه لطيف، بينما كانت الطيور تنطلق بأصواتها العذبة، لمحت بين الأشجار العالية على شاطئ النهر فتاة هي الآن زوجتي … لقد رويت الآن ظمأي منها". ويخبرها بهذا في صراحة ظريفة ويعتزم الذهاب إلى باريس وإلى الجامعة. ويدخل المؤلف في هذا الفصل الخاص بشئونه هو وزوجته، طبيباً ومجنوناً، وراهباً، يستجدي الناس الصدقات ويعدهم بالمعجزات، وجماعة من الجنيات ينشدن الأناشيد، ويذكّرنا هذا بأدوار الرقص التي تقحم إقحاماً في التمثيليات الغنائية الحديثة. ويسيء آدم إلى إحدى الجنيات، فتصب عليه لعنة تمنعه أن يفارق زوجته طول حياته، ومن