فيه من البرغنديين، وتأمر بإحراقه. ويجن البرغنديون من فرط الحرارة والظمأ فيصيحون من شدة الألم، فيأمرهم هاجن بأن يطفئوا ظمأهم بشرب دماء القتلى، فيصدعون بما يؤمرون، ويخرج بعضهم من بين الأخشاب الملتهبة المتساقطة، وتستمر المعركة دائرة في الفناء حتى لا يبقى حياً من البرغنديين غير جنثر وهاجن. ويقاتل ديتريخ Dietrich القوطي وهاجن، وينتصر عليه، ويأتي به إلى كريمهيلد مكبلاً بالأغلال. وتسأله هاجن أين أخفى كنز نيبلنج، فيجيبها بأنه لن يكشف لها عن ذلك السر ما دام جنثر حياً؛ ويقتل جنثر، وكان لا يوال حياً، بأمر أخته، ويحمل رأسه إلى هاجن، ولكن هاجن يتحداها بقوله:"إن مكان الكنز لا يعرفه الآن إلاّ الله وحده وأنا، ولن تعرفي هذا السر أيتها المرأة الشيطانة"، فتقبض بيدها على سيف وتقتله به. وتشمئز نفس هلدبراند Hildebrand القوطي مما سفكته كريمهيلد من الدماء فيقتلها.
تلك قصة رهيبة تجري فها الدماء كما تجري في أية قصة أخرى في عالم الأدب أو فيما هو دونه. وإنا لنظلم هذه القصة بعض الظلم إذا انتزعنا لحظاتها الرهيبة مما يحيط بها من ولائم، ومثاقفة، وصيد، وشئون النساء. ولكن هذا هو الموضوع الذي تدور حوادثها حوله - فتاة رقيقة يبدلها ما صادفته من الشر امرأة وحشية سفاحة. ومن عجب أنه قلّما يبقى في القصة بعد هذا شيء يقربها من الدين المسيحي، فهي في الواقع مأساة يونانية تدور حول الانتقام، ولا تفعل ما تفعله المآسي اليونانية إذ تأبى أن تقع في أعمال العنف على المسرح. وتطغى هذه الجرائم على جميع فضائل الإقطاع فلا يكاد يظهر منها شيء حتى إكرام رب الدار أضيافه الذين دعاهم لزيارته، وليس ثمة ما يفوق وحشية هذه القصة إلاّ وحشية أيامنا هذه.