للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ملهماً لشعبه، ودعامة لحكومته، فشرع منذ تولى الملك يثير حرباً شعواء على العبادات القديمة وعلى الكهنة المجوس، وجعل الزردشتية دين الدولة.

وكان الكتاب المقدس للدين الجديد هو مجموعة الكتب التي جمع فيها أصحاب النبي ومريدوه أقواله وأدعيته. وسمى أتباعه المتأخرين هذه الكتب الأبستا (الأبستاق)، وهي المعروفة عند العالم الغربي باسم الزند- أبستا، بناء على خطأ وقع فيه أحد العلماء المحدثين (١). ومما يروع القارئ غير الفارسي في هذه الأيام أن يعرف أن المجلدات الضخمة الباقية- وإن كانت أقل كثيراً من كتاب التوراة- ليست إلا جزءاً صغيراً مما أوحاه إلى زرثسترا إلهه (٢).


(١) لقد أضاف أنكتيل- دوبرون (حوالي ١٧٧١ ب. م) زند إلى هذا اللفظ. وليست هذه إلا كاسعة كان الفرس يضعونها قبله للدلالة على أن ما يليها ليس إلا ترجمة أو تفسيراً للأبستاق. أما لفظ أبستاق نفسه فأصله غير معروف على وجه التحقيق، والراجح أنه مشتق من فيد وهو الأصل الآري الذي اشتق منه "فيدا" ومعناه المعرفة.
(٢) وتروى الرواية الفارسية قصة أبستاق أخرى اكبر من هذه في واحد وعشرين كتابا يسمى وأحدها "النسك" وتقول أن هذه الكتب الأخيرة نفسها ليست جزءً صغيراً من الكتاب المقدس الأصلي، وأن كتاباً من هذه الكتب وهو الوند داد قد بقي سليماً. أما الكتب الأخرى فلم تبق منها إلا أجزاء مبعثرة في مؤلفات متأخرة كالدنكرد والبندهيش. ويروي مؤرخو العرب أن النص الكامل للكتاب الفارسي المقدس كان يشتمل على ٠٠٠ ر ١٢ جلد من جلود البقر. وتقول إحدى الروايات الدينية أن الأمير فشتسبا كتب من هذا الكتاب نسختين، التهمت أحدهما النار حين أحرق الإسكندر القصر الملكي في برسوبوليس، أما الأخرى فقد أخذها اليونان المنتصرون معهم إلى بلادهم، فلما ترجموها كانت هي المصدر الذي أخذوا عنه كل معلوماتهم العلمية (كما يقول الثقات من الفرس). فلما كان القرن الثالث بعد الميلاد أمر فلجيس الخامس أحد الملوك البارثيين من الأسرة الأرساسية أن يجمع كل ما بقي من أجزاء الكتاب المتفرقة المكتوبة منه والباقي في صدور المؤمنين. فاتخذ الكتاب من ذلك الوقت صورته الباقية إلى هذا اليوم، وكان قانون الزردشتية في القرن الرابع الميلادي، وأساس الدين الرسمي للدولة الفارسية. ثم عبثت الأيدي مرة أخرى بهذا الكتاب لما فتح المسلمون بلاد الفرس في القرن السابع بعد الميلاد. ويمكن تقسيم القطع الصغيرة الباقية من هذا الكتاب إلى خمسة أجزاء: ١. اليزنا: وتتألف من خمسة وأربعين فصلاً من الطقوس الدينية التي كان الكهنة الزردشتيون يترنمون بها، ومن سبعة وعشرين فصلاً (من الفصل الثامن والعشرين إلى الرابع والخمسين) وتسمى الجتها، وتشتمل على أحاديث النبي وما أوحي إليه مصوغة في عبارات موزونة كما يظهر. ٢. الوسبرد: ويشتمل على أربعة وعشرين فصلاً أخرى من الطقوس الدينية. ٣. الونديداد: ويشتمل على اثنين وعشرين فصلاً أو فرجوداً، وهي تشرح فقه الزردشتيين وقوانينهم الأخلاقية، وهي التي تتألف منها الآن شريعة البارسيين الكهنوتية (في الهند). ٤. اليشت: أي التسبيحات الغنائية، وهي واحد وعشرون نشيداً في الثناء على الملائكة تتخللها أقاصيص تاريخية ونبوءة عن آخر العالم. ٥. وآخرها الخرد أبستاق: أي الأبستاق الصغيرة وهي صلوات تتلى في مناسبات في الحياة المختلفة.