وأخذ دانتي الشيء الكثير عن جيدو وقلّد أغانيه، ولعله مدين له بعزمه على كتابة الملهاة المقدسة The Divine Comedy باللغة الإيطالية. وشاهد ذلك قول دانتي نفسه:"وقد رغب إلى في أن أكتب له على الدوام بلغة البلاد لا باللغة اللاتينية"(٦). وكان أسلاف دانتي هم الذين بدّلوا في القرن الثالث عشر فجاجة اللغة الجديدة وعجزها إلى نغمتها الحلوة، وإلى العبارات المركزة الدقيقة التي لا تضارعها فيها لفة أخرى من اللغات الأوربية، وهم الذين خلقوا لغة يستطيع دانتي أن يسميها:"فخمة، أصيلة، مهذبة، عظيمة"(٧) ـ تليق لأن يكتب بها أعظم العلماء. وكانت أشعار البروفنساليين تبدو إذا قيست إلى أغاني الإيطاليين ناشزة غير متناغمة، وقصص الأبطال الشعرية، وغناء المغنين الجائلين تكاد تكون بالنسبة لها تافهة حقيرة. ولم يعد الشعر في هذه الأغاني الإيطالية مصرفاً للثرثرة المرحة، بل أصبح عملاً من أعمال الفن القوية المحكمة يبذل في صياغته من الجهد مثل ما بذل نقولا لا بيزانو وولده في نحت تماثيل المنابر. وبعد فإن من أسباب عظمة الرجل العظيم أن رجالاً أقل منه قد مهدوا له السبيل، وهيئوا لعبقريته مزاج عصره، وشكّلوا له أداة يمسكها بيديه، وأسلموه عملاً أنجزوا نصفه.