جعل قصيدته مثقلة بعلمه الواسع الغزير. وكان مما تعلمه فضلاً عن هذا ركوب الخيل، والمثاقفة، والتصوير، والغناء. ولسنا نعرف كيف كان يحصل على قوته، وأياً كانت سبيله في تحصيله فإنه كان يقبل في الأوساط المثقفة، لصداقته لكفلكنتي إن لم يكن لأسباب أخرى مضافة إلى هذه الصداقة، وقد وجد في هذه الأوساط كثيراً من الشعراء.
وبدأت أشهر الحوادث الغرامية كلها حين كان دانتي وبياتريس كلاهما في سن التاسعة. وكانت بدايتها كما يقول بوكاشيو في حفلة من حفلات أولمايو أقيمت في بيت فلكو برتناري Folco Portinari أحد كبار المواطنين في فلورنس. وكانت "بيس" الصغيرة ابنة فلكو، والراجح أيضاً أنها هي التي يتحدث عنها دانتي باسم بياتريس (١٢)، ولكن هذا الرجحان لا يقرب من التأكيد قرباً يزيل شكوك المتزمتين. ولسنا نعرف شيئاً عن هذا اللقاء الأول إلاّ من الوصف الذي كتبه عنه دانتي بعد تسع سنين من ذلك الوقت في فيتا نيوفو Vita Nuovo وخلع عليها فيه من الصفات ما جعلها مثلاً أعلى قال:
كان لباسها في ذلك اليوم من أبدع الملابس، فقد كان ذا لون قرمزي هادئ جميل، وكانت ممنطقة ومزينة بما يناسب سنها الصغيرة. وإني لأقول صادقاً كل الصدق إن روح الحياة المستكنة في أعمق خبايا القلب أخذت من تلك اللحظة ترتجف ارتجافاً عنيفاً اهتزت معه جميع أجزاء جسمي، وقالت هي تهتز:"هاهي ذي إلهة أعظم مني قوة مقبلة لتسيطر عليَّ" وأصبحت من تلك اللحظة عبداً لهواها (١٣).
إن فتى يقترب من سن البلوغ لفتى ناضج لهذا الارتجاف متأهب له؛ ولقد عرف معظمنا هذه التجربة، وفي وسعنا أن نعود بذاكرتنا إلى ذلك العشق السريع الزوال، ونرى أنه من أكثر التجارب التي تعترض شبابنا روحانياً، وأنه يقظة عجيبة خفية من يقظات الجسم والروح، ندرك بها الحياة، والصلات