للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلها، عدا الولايات البابوية، الحكم الإمبراطوري الذي انقضى عهده بموت فردريك الثاني. ورحب به دانتي، وجاشت في صدره آمال كبار؛ وأهاب بمدن لمبارديا، في "رسالة موجهة إلى أمراء إيطاليا وشعوبها" أن تفتح قلوبها وأبوابها إلى "القادم" اللكسمبرجي الذي سينجيها من الفوضى والبابوات. ولمّا وصل هنري إلى ميلان هرع دانتي إليها وألقى بنفسه وهو في نشوة الحماسة عند قدمي الإمبراطور، وخيّل إليه أن كل ما كانت تصوره له أحلامه من قيام إيطاليا الموحدة يوشك أن يتحقق. لكن فلورنس لم تستجب لنداء الشاعر، وأوصدت أبوابها في وجه هنري؛ ووجه دانتي وهو في سورة الغضب رسالة "إلى الفلورنسيين أشد الناس إجراماً Scelestissimis Florentinis ( مارس ١٣١١) قال فيها:

ألا تعرفون أن الله قد أمر أن يخضع بنو الإنسان كلهم لحكم عاهل واحد ليدافع عن العدالة، والسن، والحضارة؟ وأن إيطاليا كانت على الدوام فريسة للحرب الأهلية كلما زال عنها سلطان الإمبراطورية؟ يا من تعتدون على القوانين البشرية والإلهية ويا من يدفعكم النهم الرهيب إلى ارتكاب كل جريمة مهما بلغت من الشناعة - ألم تروعكم رهبة الميت الثانية فخرجتم على مجد الأمير الروماني، ملك الأرض ومبعوث الله؟ … يا أحمق الناس وأبلدهم إحساساً! سوف تخضعون صاغرين إلى النسر الإمبراطوري! (٢٤).

وساء دانتي وملأ قلبه هلعاً أن هنري ترك فلورنس وشأنها؛ ولهذا كتب الشاعر إلى الإمبراطور في شهر إبريل كما كتب نبي من أنبياء إسرائيل يحذر الملوك فقال:

لسنا ندري أي خمول يقعدك عن العمل هذا الزمن الطويل … إنك تضيع الربيع كما تضيع الشتاء في ميلان … (لعلك لا تعرف) أن فلورنس مصدر الشر المستطير … وأنها هي الأفعى … التي تنفث من أنفاسها الفاسدة الدخان الموبوء الذي يقضي على القطعان المجاورة لها … هُبَّ إذن يا ابن يسَّي Jesse النبيل! (٢٥).