بلده بعد أن صبر على النفي ما يقرب من خمسة عشر عاماً … إن رجلاً ينادي بالعدالة لا يطيق أن يؤدي ما له إلى من يرتكبون المظالم، كأنهم يحسنون إليه. ألا إن هذه ليست الطريقة التي أعود إلى بلدي … فإذا كان ثمة طريقة أخرى … لا تزري بكرامة دانتي … فإني لن أتوانى قط عن اتباعها؛ أما إذا لم يكن دخول فلورنس مستطاعاً بهذه الطريقة الأخرى، فإني لن أدخلها أبداً … ما هذا الذي تقول! أليس في وسعي أن أستمتع بنور الشمس وجمال النجوم في كل مكان على ظهر الأرض؟ أليس في مقدوري أن أفكر في أعظم الحقائق شأناً؟ (٢٧)
واغلب الظن أنه قبل في أواخر عام ١٣١٦ دعوة وجهها إليه كانْ جراندي دلا اسكالا Can Grande Della Scalla، حاكم فيرونا لأن يجيء إليه ويعيش في ضيافته. ويبدو أنه أتم في هذه البلدة قسم الجنة في الملهاة المقدسة (١٣١٨) - وفيها بلا ريب أهدى هذا القسم إلى كان جراندي. وفي وسعنا أن نصوره في تلك الفترة من حياته - أي في الحادية والخمسين من عمره - كما صوره بوكاشيو في الحياة الجديدة عام ١٣٥٤؛ نصوره رجلاً متوسط القامة "منحني الظهر قليلاً" يسير بخطى وقورة متزنة تنم عن المهابة والانقباض، ذا شعر أسود وبشرة سمراء، ووجه طويل ينم عن كثرة التفكير، وجبهة بارزة مغضنة، وعينين غائرتين ذواتي نظرات صامتة، وأنف رفيع أقنى، وشفتين منطبقتين، وذقن بارز (٢٨).
ذلك وجه روح كانت من قبل وادعة ظريفة، ولكن الآلام جعلتها نكدة مريرة؛ ولي سمن السهل على دانتي صاحب الوصف الوارد في الحياة الجديدة أن يتصنع كل ما وصفه به هذا الكتاب من شفقة ورقة عاطفة؛ وأن شيئاً من هذه الصفات ليظهر فيما بدا عليها من حنان وهو يستمع إلى قصة فرانسيسكا. وكان عبوساً صارماً شأن الرجل المغلوب على أمره المنفي من بلده، وقد أكسبته الشدائد حدة في اللسان، وغطرسة يغطي بها ما فقده من قوة وسلطان.