وكانت نزعة إلى التثليث- تعبر عن الثالوث الديني المقدس- وتنم عن ضعف الشاعر هي التي عينت شكل القصيدة فجعلتها مؤلفة من ثلاثة "أناشيد"، كل نشيد ثلاث وثلاثون أغنية، تقابل سني حياة المسيح على هذه الأرض، تضاف إليها أغنية أخرى في النشيد الأول فتكون عدتها مائة كاملة. واعتزم أن يكتب كل أغنية في مجموعات كل منها ثلاثة أبيات، يتفق البيت الثاني من كل مجموعة ثلاثة أبيات، يتفق البيت الثاني من كل مجموعة في قافيته مع البيتين الأول والثالث من المجموعة التي بعدها. وليس ثمة ما هو أكثر تكلفاً من هذا، ولكن ما من فن يخلو من التكلف، وخير ما يمكن أن يصنعه الفنان أن يخفي تكلفه؛ وهذه القافية الثلاثية terza rima تربط كل أغنية بالتي تليها، وتؤلف منها كلها أغنية واحدة متصلة، تنساب في لغتها الأصلية انسياباً سهلاً على اللسان، ولكنها إذا ترجمت تعثرت وبدت كليلة. ولقد ندد دانتي مقدماً بكل ترجمة لقصيدته، فما من شيء يسري فيه توافق الاتصال الموسيقي يمكن أن ينقل من لغته الأصلية إلى لغة أخرى دون أن يفقد حلاوته وتوافقه (١).
وكما أن أبيات القصيدة هي التي عينت صورتها، فإن الاستعارات هي التي عينت قصتها، وقد شرح دانتي في الرسالة التي أهدى بها القصيدة إلى كان جراندي (٣٢) ما تنطوي عليه أناشيده من رموز، ولنا أن نظن أن شرحه هذا فكرة متأخرة لاحت لشاعر كان يريد أن يكون فيلسوفاً، ولكن انهماك العصور الوسطى في الرمزية، وما كان في الكنائس الكبرى من تماثيل رمزية، ومظلمات جيتو، وجادي Gaddi ورفائيل، وكلها رمزية، وتسامي دانتي الرمزي في الحياة الجديدة والمائدة، كل هذا يوحي بأن الشاعر كان يفكر في النقط الرئيسية لمشروعه الذي وصفه وصفاً مفصلاً قد يكون خيالاً. ويقول دانتي أن
(١) ومن واجبنا أن تستثني من هذا ترجمة دانتي جبريل روزتي للحياة الجديدة ومن جاءوا قبل دانتي.