للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سجنه هو وأبناءه وأحفاده وتركهم كلهم يموتون جوعاً. والآن يستند رأس أجولينو على رأس كبير الأساقفة، ويظل رجييري إلى الأبد يضع رأس أجولينو وفي مركز الأرض أي في قاع فتحة الجحيم الآخذة في الضيق يرقد الشيطان (لوسفر) الجبار مدفوناً في الجليد إلى وسطه يرفرف بجناحين ضخمين مثبتين في كتفيه، ويذرف من وجوهه الثلاثة التي تقسم رأسه دموعاً من الدم المتجمد من شدة الزمهرير، ويمضغ في كل فك من فكوكه الثلاثة أحد هؤلاء الخونة: بروتس، وكاسيوس، ويهوذا Judas.

وقصارى القول أن نصف الأهوال التي كانت تزعج الأنفس في العصور الوسطى قد جمعت في هذه القصة الدموية. وكلما أمعن الإنسان في قراءة صحفها الرهيبة ازداد رعباً على رعب حتى تطغى عليه نتيجة هذا الرعب آخر الأمر فلا يعود يطيقها. وإن ذنوب الإنسان وجرائمه في هذا العالم وفي جميع عوالم الكون وسلامه لأقل من غضب الإله وانتقامه بالصورة التي يتخيلها الشاعر. وإن فكرة دانتي عن الجحيم لهي منتهى ما وصل إليه لاهوت العصور الوسطى من فظاعة. لقد كان اليونان والرومان القدامى يصورون جحيماً يسمونها Hades أو avenrus تتلقى جميع الموتى من الآدميين. وكان مقرها مكاناً عظيماً مظلماً تحت الأرض لا يمكن تمييز شيء فيه، ولكنهم لم يصوروا هذه الجحيم بأنها مكان للتعذيب؛ وكان لابد من أن تمر قرون طوال من الهمجية، والاضطراب، والحرب قبل أن يتقول الإنسان على خالقه فيعزو إليه صفتي الانتقام السرمدي والقسوة التي لا ينضب لها معين.

ويخفف من روعنا أن نعلم أن دانتي وفرجيل قد مرا من خلال مركز الأرض، وأنهما قلبا اتجاه رأسيهما وأقدامهما، وأنهما يتحركان إلى أعلى نحو الجهة المقابلة لبلادنا من الأرض. ويجتاز الشاعران قطر الأرض كله في سرعة الأحلام