آثام الجسد وخاصة إذا ارتكبها ذوو المزاج الفني ممن هم لهذا السبب رقيقو الإحساس، واسعوا الخيال، مندفعون في أعمالهم. ومن بين هؤلاء جيدو جوينزلي Guido Guiuxelli؛ الذي يحبه دانتي ويسميه أباه في الأدب، ويشكر له "الأغاني الحلوة، التي ستوحي إلينا ما بقيت لغتنا بأن نحب المداد الذي خطت به"(٥٢).
ويقودهما أحد الملائكة خلال نار في صعودهما الأخير إلى جنة الأرض، وهنا يودع فرجيل صاحبه بقوله:
"إن علمي لا يصل إلى أبعد من هذا، لقد سرت بك بحذقي وفني إلى هذا الحد، فاتخذ الآن مسرتك دليلاً لك … انظر! تر الشمس التي تسطع أشعتها على جبتهك؛ انظر! تر الأعشاب والشجيرات والأزهار التي تخرجها هذه الأرض موفورة من تلقاء نفسها. وإلى أن تأتيك هاتان العينان الوضّاءتان (عينا بياتريس) تشع منهما البهجة، وهما اللتان جعلتاني ببكائهما أسرع إلى معونتك حيث تشاء. ولا تنتظر أن تسمع مني بعد الآن صوتاً أو غشاوة تحذرك. وإذ كنت الآن حراً تختار لنفسك ما تشاء، حصيفاً، حكيماً … فإني أخلع عليك التاج والعمامة وأجعلك سيد نفسك"(٥٣).
ويجوس الآن دانتي خلال الغابات والحقول، وعلى ضفاف الأنهار في جنة الأرض ومن ورائه - لا من أمامه - فرجيل واستاتيوس، يستنشق هواءها النقي ذا الرائحة الذكية، ويستمع من خلال الأشجار شدو الطير تغنى القسم الأول من النشيد الكهنوتي. وتمتنع سيدة تجمع الأزهار عن الغناء لتشرح لم خلت هذه الأرض الجميلة من الناس، فتقول إنها كانت فيما مضى جنة عدن، ولكن الإنسان عصى ربه، فأخرج هو وذريته من مباهجها البرئية. وتنزل بياتريس من السماء إلى هذه الجنة المفقودة يحيط بها لألأء يذهب سناه بالأبصار،