ما كان لتقدم اقتصادياتها وثقافتها حتى بلغت صورتها المميزة لها في تلك البلاد.
ولقد أردت أن اجتنب التكرار السطحي لما نشر في هذا الموضوع من كتب قيمة، فوسعت نطاق البحث إلى أكثر مما ألفه القارئ في المجلدات السابقة من هذه السلسلة. وكان مما اقتضى هذا التوسع غير هذا السبب أننا كلما اقتربنا من عصرنا الحاضر زاد اهتمامنا بموضوعنا، ذلك اننا نشعر بما يجري في دمائنا من حيوية مستمدة من تلك القرون الخطيرة الأحداث التي نشأت فيها أوربا الحديثة، وبذلك تصبح أفكار تلك القرون، وحوادثها، وأشخاصها، لا غنى عنها لفهم عقولنا وأيامنا. ولقد درست بنفسي كل ما ورد ذكره في هذا الكتاب من مؤلفات خاصة بالفن إلا القليل منها، ولكنني تعوزني الدربة الفنية التي تخولني إصدار أحكام عليها قائمة على البحث والنقد. غير أنني قد أقدمت على التعبير عما أفضله منها وعما أنطبع في ذهني بعد قراءتها. والآن نرى الفن الحديث يسير في طريق مضاد للذي سار فيه فن النهضة، ويحاول جاهداً أن يجد صوراً جديدة للجمال، ومعاني جديدة للأشياء. وليس لدينا ما نأخذه على هذه النزعة، لأنه مهما يكن تقديرنا لها، فإن هذا التقدير يجب الا يحول بيننا وبين الترحيب بكل محاولة صادقة منظمة يقصد بها محاكاة ما تمتاز به من قوة ابتكار لا ما أسفرت عنه من نتائج.
وفي عزمنا إذا واتتنا الظروف أن نصدر مجلداً سادساً سيكون عنوانه في الأغلب الأعم عصر الإصلاح الديني (١) بعد ثلاث سنين أو أربع من هذا الوقت، يشتمل على تاريخ الحضارات المسيحية والإسلامية واليهودية في خارج إيطاليا مبتدئاً عام ١٣٠٠، وفي إيطاليا نفسها من ١٥٧٦ إلى ١٦٤٨. ويحسن بنا بعد هذا التوسع في البحث وما نشعر به من آثار الشيخوخة أن نفكر في أن نختم هذه السلسلة بمجلد سابع نطلق عليه اسم
(١) لقد ظهر هذا المجلد فعلا وبدأنا نترجمه. (المترجم).