ومهما يكن من أمرها فإنها تلقت هيامه بها في هدوء، وأبعدته عنها، وشجعته في هيامه بها بتمنعها وصدودها. ويدلنا على ما كان في عاطفته نحوها من إخلاص في بعض الأحيان تأنيب ضميره له لما كان في هذه العاطفة من عنصر شهواني، وحمده الله على كل ما كان لعدم استجابتها لحبه من أثر في تهذيب هذا الحب والسمو به.
وكان في هذه الأثناء يعيش في بروفانس، بلاد شعراء الفروسية الغزلين، وكان صدى أغانيهم لا يزال يتردد في أفنيون، وصار بترارك، كما صار دانتي من قبله بجيل من الزمان من هؤلاء الشعراء الغزلين على غير علم منه، يعبر عن عاطفته بألف حيلة وحيلة من الحيل الشعرية. وكان قرض الشعر وقتئذ من أسباب اللهو الشائعة. وقد بلغ من شيوعه أن شكا بترارك في إحدى رسائله من أن المحامين، ورجال الدين، بل وخادمه الخاص نفسه قد عمدوا كلهم إل قرض الشعر، ويقول إنه يخشى ألا يمضى وقت طويل حتى "تشرع الماشية نفسها أن تخور شعراً "(٣). وقد ورث عن بلاده بحر الأغاني، وربط بينه وبين الشعر المقفى العسير الذي ظل مائة عام يشكل الشعر الإيطالي ويقف في سبيله، وألف في خلال الإحدى والعشرين السنة التالية، وهو سائر على ضفاف الجداول، أو بين التلال، أو راكع خاشع أثناء صلوات المساء أو القداس، يتحسس طريقه بين صيغ الأفعال والصفات، في سكون حجرته، تقول إنه ألف في خلال هذه السنين سبع أغان ومائتي أغنية، وقصائد أخرى متنوعة عن لورا الحية الولود. وجمعت هذه الأغنيات والقصائد في نسخ مخطوطة وسميت الكندسنير Canzoniere أو كتاب الأغاني، فأثارت خيال شباب إيطاليا، ورجالها، ورجال الدين فيها. ولم ير أحد حرجا في أن مؤلفها، حين لم يجد طريقا للرقى إلا طريق الكنيسة، قد تيفخ%-@أي حلق شعر اليافوخ وهو كناية عن أنه انتظم في سلك رجال الدين. (المترجم) @