وفي وسعنا أن نقول إن أعمال جيتو كانت في مجموعها ثورة على الأوضاع الفنية القائمة وقتئذ. ونحن نشعر بأخطائه لأننا نعرف مقدار ما أحدثته الحركة التي بدأها هو من إتقان وبراعة. نحس بأن رسمه، وصياغته، ومراعاته لفن المنظور، وعلمه بالتشريح، كل هذا ناقص معيب. لقد كان الفن، كما كان الطب في عهد جيتو، قد بدأ تواً في تشريح الجسم البشري، وفي أن يبين موضع كل عضلة، وعظم، ووتر، وعصب، وتركيبه، وقد أتقن معرفة هذه العناصر رجال من أمثال منتينيا Mantegena ومساتشيو Masaccio، وبرع في هذه المعرفة ميكل أنجلو وبلغ فيها درجة الكمال، بل كاد يجعل منها معبوداً له ولأمثاله من رجال الفن. أما في أيام جيتو فقد كان لا يزال من غير المألوف أن يدرس الناس الجسم البشري عارياً. وكان تصويره يجلل من يقدم على تصويره بالعار. فإذ كان هذا فما الذي يجعل أعمال جيتو في بدوا وأسيسي من معالم تأريخ الفن؟ إن الذي يجعلها هكذا هو التأليف المتزن، ورسم العين من كل زاوية إلى مركز الاهتمام، والمهابة المستمدة من الحركة الهادئة، والتلوين الرقيق المتألق، وانسياب القصة في عظمة وجلال، والاعتدال في التعبير ولو كان عن المشاعر العميقة، وعظمة الهدوء الذي يغمر تلك المناظر المضطربة، وما نشاهده بين الفينة والفينة من نزعة طبيعية في تصوير الرجال، والنساء، والأطفال كما شاهدهم وأحس بهم، وهم يتحركون في الحياة لا كما درسهم الفنانون في ماضي الأيام. تلك هي العناصر التي تألف منها انتصار جيتو على الجمود البيزنطي والكآبة البيزنطية. وتلك هي أسرار نفوذه الخالد. لقد ظل فن فلورنس مائة عام بعد وفاته يستمد من أعماله حياته وإلهامه.
وجاء في أعقابه جيلان من الفنانين الذين ساروا على نهجه، فحذوا حذوه في موضوعاته وفي طرازه، ولكنهم قلما كانوا يبلغون ما بلغه من براعة وإتقان، فقد كان تديوجدى Taddeo Gaddi تلميذه وابنه في