ومرة مديراً لدار سك النقود، وكان لديه إحساس غير عادي، بالنسبة لتلك الأيام، بالأسس والعوامل الاقتصادية التي تعمل في التاريخ، وكان هو أول من أدخل في قصته إحصاءات عن أحوال البلاد الاجتماعية فجعلها بذلك طريقة ممتعة. ومعظم ما في الثلاثة الكتب الأولى من "تاريخ فلورنس الإخباري " قصص خيالية، أما ما تلاها من الكتب فتحدثنا أن فلورنس وما وراءها من الأرضيين كان يسكنها في عام ١٣٣٨ مائة ألف وخمسة آلاف من السكان، سبعة عشر ألفاً منهم متسولون، وأربعة آلاف يعيشون من الإعانات العامة، وأنه كان بالمدينة ست مدارس ابتدائية يؤمها عشرة آلاف ولد وبنت، وأربع مدارس ثانوية يتعلم فيها ستمائة ولد وقليل من البنات "النحو "(أي الأدب). و "المنطق "(الفلسفة). وقد فعل فلاني ما لم يفعله غيره من المؤرخين فضمن كتابه ملاحظات عما هنالك من كتب، وصور، ومبان، جديدة، حتى ليصح القول بأننا قلما نعرف أن مدينة أخرى قد وصفت جميع مظاهر حياتها وصفاً مباشراً كما وصفت فلورنس، ولو أن فلاني قد سلك كل هذه المناحي والتفاصيل في قصة واحدة من العلل، والمظاهر، والشخصيات، والنتائج لجعل من كتابه الإخباري تاريخاً حقيقياً.
واستقر بوكاتشيو في فلورنس عام ١٣٤٠ وظل يطارد المرأة في الحياة والشعر والنثر. فقد أهدى امورازا فزيوني Amorasa Visioni إل فيامتا Fiametta واسترجع في ٤٤٠٠ بيت ايام صلتهما السعيدة. وينطق بوكاتشيو فيامتا الأميرة غير الشرعية المولد في رواية نفسانية بقصة انحرافها مع بوكاتشيو وتحلل نشوات الحب القوية، وآلام العاطفة، والغيرة، والهجران بتفصيلات وافية، وحين يؤنبها ضميرها على عدم وفائها تتمثل أفرديتي تؤنبها على جنبها وتقول: "لا تجبني وتقولي إن لي زوجاً وإن القوانين المقدسة والوعود تحرم هذه الأشياء عليَّ لأن هذا