للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلا بمساعي بوكاتشيو. وكانت هذه الترجمة النثرية الخالية من الدقة هي الترجمة اللاتينية الوحيدة التي تعرفها أوربا لملحمتي هوميروس في القرن الرابع عشر.

وكان بيلاتس في خلال هذا الوقت قد علم بوكاتشيو من اللغة اليونانية ما يكفيه لقراءة الآداب اليونانية القديمة قراءة عاجزة. وكان بوكاتشيو نفسه يعترف بأنه لا يستطيع أن يقرأ النص إلا قراءة ضعيفة، ولكنه وصف ما قرأه بأنه يبلغ من الجمال حدا لا يستطيع وصفه. وألهمته هذه الكتب كما ألهمه بترارك نفسه، فخصص ما بقى من جهوده الأدبية كلها تقريبا لأن يعرف أوربا اللاتينية بأدب اليونان، وأساطيرهم، وتاريخهم. فنشر سلسلة من التراجم القصيرة سماها في حظوظ مشهوري الرجال من آدم إلى جون ملك فرنسا، وروى في النساء النابهات قصص شهيرات النساء من حواء إلى جوانا الأولى Joanna I ملكة نابلي، وفي كتاب الجبال والغابات والعيون، الخ ثبتا مرتبا حسب الحروف الهجائية بأسماء الجبال، والغابات، والعيون، والأنهار، والبحيرات التي ورد ذكرها في الأدب اليوناني، ثم وضع كتيبا في الأساطير اليونانية سماه في تسلسل الأنساب. وقد بلغ من انهماكه في موضوعه أن كان يسمى إله المسيحيين جوف، والشيطان بلوتو، ويتحدث عن الزهرة (فينوس) والمريخ كأنهما شخصان حقيقيان كمريم والمسيح. وتبدو هذه الكتب في هذه الأيام مملة ثقيلة لا تطاق، كتبت بلغة لاتينية رديئة وليس فيها كثير من العلم، ولكنها كانت في زمانها كتبا دراسية لطلاب اللغة اليونانية، وكان لها شأن ايما شأن في تهيئة أسباب النهضة.

وهكذا خرج بوكاتشيو من نزق الشباب إلى وقار الشيوخ، واستخدمته البندقية بين الفينة والفينة في بعض شئونها الدبلوماسية، فأرسلته في مهمات